للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشيطان، وكل ما ينسب إليه مذموم. انتهى (١).

(وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ) بتشديد الدال، (الْمَرْءُ) به (نَفْسَهُ)؛ أي: من الأشياء التي يُحدّث بها الشخص في يقظته، قال القرطبيّ رحمه الله: يدخل فيه ما يلازمه المرء في يقظته من الأعمال، والعلوم، والأقوال، وما يقوله الأطباء: من أن الرؤيا تكون عن خلطٍ غالبٍ على الرائي، فيرى في نومه ما يناسب ذلك الخلط؛ فمن يغلب عليه البلغم رأى السِّباحة في الماء، وما أشبهه؛ لمناسبة الماء طبيعة البلغم، ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران، والصعود في الارتفاع؛ لمناسبة النَّار في الطبيعة طبيعة الصفراء، وهكذا يقولون في بقية الأخلاط، ونحن ننازعهم في موضعين:

أحدهما: في أصل تأثير الطبيعة؛ فإنْ قالوا: إن الطبيعة سببٌ عاديّ، والله تعالى هو الفاعل بالحقيقة، وهو مذهب المسلمين؛ فهو الحقّ، وإن قالوا: إن الطبيعة تفعل ذلك بذاتها؛ حكمنا بتكفيرهم، وانتقل الكلام إلى علم الكلام.

والثاني: أن من أراد منهم أن الرؤيا لا تكون إلَّا عن الأخلاط؛ فهو باطل بما قد ثبت عن الصادق فيما ذكرناه من الأحاديث: أن الرؤيا منها ما يكون من الله، وهي المبشرة، والمحذرّة، وهذا من باب الخير، وليس في قوة الطبيعة أن تطّلع على الغيب بالإخبار عن أمور مستقبلة تقع في المستقبل على نحو ما اقتضته الرؤيا بالاتفاق بين العقلاء، ومن أراد منهم: أن الأخلاط قد تكون سببًا لبعض المنامات، فقد يُسَلَّم ذلك على ما قرَّرناه، ثمَّ يبقى نظر آخر، وهو أنه لو كان ما قالوه صحيحًا للزم عليه ألا يرى من غلب عليه خلط من تلك الأخلاط إلَّا ما يناسبه، ونحن نشاهد خلافه، فيرى البلغمي النيران، والصعود في الارتفاعات، وعكس ذلك في الصفراويّ، فبطل ما قالوه بالمشاهَد، والله وليُّ المعاضدة. انتهى (٢).

(فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ) بفتح أوله، وثالثه، من باب تَعِب، (فَلْيَقُمْ) من منامه (فَلْيُصَلِّ) ليس هذا مخالفًا لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- في الرواية الأخرى: "فلينفث عن يساره ثلاثًا، وليتعوَّذ بالله من شرِّها، وليتحوَّل عن جنبه الذي كان عليه"؛ وإنما


(١) "المفهم" ٦/ ١٨.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٨ - ١٩.