للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن خالق المخلوقات استفهام تقرير للقاعدة التي لا يصحّ العلم بالرسول إلَّا بعد حصولها، وهي التي تفيد العلم بالمرسل، ثم إنه لَمّا وافقه على ما شهد به العقل، وأن الله تعالى هو المنفرد بخلق هذه المخلوقات، أقسم عليه، وسأله به هل أرسله؟

ثم إن الرجل استمرّ على أسئلته إلى أن حَصلَ على طِلْبَتِه، فانشرح صدور للإسلام، وزاحت عنه الشكوك والأوهام، وذلك ببركة مشاهدته أنوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلقد كان كثيرٌ من العقلاء يحصُلُ لهم العلم بصحّة رسالته بنفس رؤيته، ومشاهدته - صلى الله عليه وسلم - قبل النظر في معجزته، كما قال أبو ذرّ - رضي الله عنه -: "فلَمَّا رأيته علمتُ أن وجهه ليس بوجه كذاب، حتى قال بعضهم:

لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ … لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ

والحاصل من حال هذا السائل أنه حصل له العلم بصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبصحّة رسالته؛ لمجموع قرائن لا تتعيّن إحداها، ولا تنحصر أعدادها.

ويُستفاد من هذا الحديث أن الشرع إنما طَلَب من المكلّفين التصديق الجازم بالحقّ كيفما حصل، وبأيّ وجه ثَبَت، ولم يَقْصُرُهم في ذلك على النظر في دلالة معيّنَة، ولا معجزة، ولا غيرها، بل كلُّ من حصل له اليقين بصدقه بمشاهدة وجهه، أو بالنظر في معجزته، أو بتحليفه، أو بقرينة لاحت له، كان من المؤمنين، وكان من جملة عباد الله المخلصين، لكن دلالات المعجزات هي الخاصَّة بالأنبياء، والطرق العامّة للعقلاء.

وقد روى ابن عبّاس - رضي الله عنهما - حديث ضمام هذا بأكمل من هذا، وقال فيه ما يدلُّ على أن ضمامًا إنما أسلم بعد أن أجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أسئلته المتقدّمة، فلما أن فرغ قال ضمامٌ: أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، وسأؤدّي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد، ولا أنقص، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن يصدُق ذو الْعَقِيصتين (١) يدخل الجَنَّة"، ثم قَدِم على أهله، فعرض عليهم الإسلام، في أمسى ذلك في حاضره من رجل ولا امرأة إلَّا مسلمًا، قال ابن عباس: فما سمعنا بوافد قطّ كان أفضل من


(١) أي: الضفيرتين.