للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وليس في قوله: "أين علماؤكم؟ " ما يدلّ أنهم جَهِلوه، أو رأوه ولم ينكروه، والحجة بعمل أهل المدينة أشهر على التحقيق فيما نقلوه النقل المستفيض، وتداوله عملهم خلفًا عن سلف إلى زمان النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ كالأذان، والصاع، ونحو ذلك، وهذا مما وافق عليه المخالِف حين بُيِّن له، ورجع أبو يوسف حين مناظرته لمالك في المسألة، واختلفوا فيما أجمعوا عليه من جهة الاجتهاد، واختَلَف فيه تأويل شيوخنا على مذهب مالك، فذهب قدماء أصحابه العراقيين أنه ليس بحجة، ولا هو مراد مالك، ومذهب بعض المدنيين والمتأخّرين من العراقيين والمغاربة من أصحابه أنه حجة، وذهب الكثير من أئفة الأصوليين إلى أنه ترجيح للآثار التي اختَلَفت، وكلّ هذا غير موجود في مسألتنا. انتهى، كلام القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

وقال ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: احتج بهذا الحديث مَن زعم أن عمل أهل المدينة لا حجة فيه، وقال: ألا ترى أن معاوية - رضي الله عنه - يقول: "أين علماؤكم؟ " يريد: أين علماؤكم عن تغيير مثل هذا، والحفظ له، والعمل به، ونَشْره؟ يريد أن المدينة قد يظهر فيها، ويُعمل بين ظهراني أهلها بما ليس بسُنَّة، وإنما هو بدعة، واحتجّ قائل هذا القول برواية مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، وكان من كبار التابعين، أنه قال: ما أعرف شيئًا مما أدركت الناس عليه إلا النداء بالصلاة.

وقد حَكَى إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك أنه سئل عما يصنع أهل المدينة ومكة من إخراج إمائهم عُراة، مُتَّزرات، وأبدانهن ظاهرة، وصدورهنّ، وعما يَصنعِ تجارهم من عَرْض جواريهم للبيع على تلك الحال، فكرهه كراهية شديدة، ونهَى عنه، وقال: ليس ذلك من أَمْر من مضى، من أهل الفقه، والخير، ولا أمْر من يُفتي من أهل الفقه والخير، وإنما هو مِنْ عَمَلِ من لا وَرَع له من الناس.

وقال أنس بن عياض: سمعت هشام بن عروة يقول: لمّا اتخذ عروة قصره بالعقيق عُوتب في ذلك، وقيل له: جفوت عن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،


(١) "إكمال المعلم" ٦/ ٦٥٨.