للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الصورة لمّا أبيحت بعد قطع رأسها، التي لو قُطعت من ذي الروح لَمَا عاش، دلّ ذلك على إباحة ما لا روح له أصلًا.

قال الحافظ: وقضيته أن تجويز تصوير ما له روح بجميع أعضائه إلا الرأس فيه نظر لا يخفى، وأظن مجاهدًا سمع حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ففيه: "فليخلقوا ذَرَّةً، وليخلقوا شعيرةً"، فإنّ في ذِكر الذَّرة إشارة إلى ما له روح، وفي ذكر الشعيرة إشارة إلى ما يَنبُت مما يؤكل، وأما ما لا روح فيه، ولا يثمر فلا تقع الإشارة إليه، ويقابل هذا التشديد ما حكاه أبو محمد الجوينيّ، أن نسج الصورة في الثوب لا يمتنع؛ لأنه قد يُلبَس، وطرده المتولي في التصوير على الأرض، ونحوها، وصحح النوويّ تحريم جميع ذلك، قال النوويّ: ويُستثنى من جواز تصوير ما له ظلّ، ومن اتخاذه لُعَب البنات؛ لِمَا ورد من الرخصة في ذلك. ذكره في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: استثناء اتّخاذ لُعَب البنات محلّ نظر، فإن النصّ جاء بترخيص استعمالها، لا باتّخاذها، فتأمّل الفرق بينهما، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: وقوله: "كُلِّف أن ينفخ فيها الرُّوح" من هنا رأى ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن تصوير ما ليس له روح يجوز هو، والاكتساب به. وهو مذهب جمهور السَّلف، والخلف، وخالفهم في ذلك مجاهد، فقال: لا يجوز تصوير شيء من ذلك كله، سواء كان له روح، أو لم يكن؛ متمسِّكًا في ذلك بقول الله تعالى (٢): "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي، فليخلقوا ذرَّة، وليخلقوا حبَّة، وليخلقوا شعيرة"، متّفقٌ عليه، فعمَّ بالذمّ، والتهديد، والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله تعالى. وقد دلَّ هذا الحديث: على أن الذمَّ والوعيد إنما علِّق بالمصوِّرين من حيث تشبَّهوا بالله تعالى في خلقه، وتعاطوا مشاركة فيما انفرد الله تعالى به من الخلق والاختراع. وهذا يوضح حجَّة مجاهد. وقد استثنى الجمهور من الصور لعب البنات كما تقدَّم. وشذَّ بعض


(١) "الفتح" ١٣/ ٤٨١ - ٤٨٣، كتاب "اللباس" رقم (٥٩٦٣).
(٢) أي: في الحديث القدسيّ.