للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ورُدّ بأن الوعيد لاحقٌ باعتبار الشكل والهيئة، وليس ذلك بجوهر، وأما استثناء غير ذي الروح، فورد مورد الرخصة.

٣ - (ومنها): أن في قوله: "كُلِّف يوم القيامة" رَدٌّ على من زعم أن الآخرة ليست بدار تكليف.

[وأجيب]: بأن المراد بالنفي أنها ليست بدار تكليف، بعمل يترتب عليه ثواب، أو عقاب، وأما مثل هذا التكليف، فليس بممتنع؛ لأنه نفسه عذاب، وهو نظير الحديث الآخر: "من قَتَل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يَجَأ بها نفسه يوم القيامة"، فالتكليف بالعمل في الدنيا حسن، على مصطلح أهل علم الكلام، بخلاف هذا التكليف الذي هو عذاب.

٤ - (ومنها): أنه استُدِلّ به على جواز التكليف بما لا يطاق.

والجواب ما تقدم، وأيضًا فنفخُ الروح في الجماد، قد ورد معجزة للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فهو يمكن، وإن كان في وقوعه خرق عادة.

والحقّ أنه خطاب تعجيز، لا تكليف، كما تقدم، قاله في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد كتب بعض المحقّقين (٢) في الاستدلال المذكور، فقال: في هذا الاستدلال نظر، فإن الأمر بنفخ الروح المذكور في الحديث أمر تعجيز لا تكليف، كما ذكر الحافظ رَحِمَهُ اللهُ، وهو كما قال، قال: وما لا يطاق قد يُراد به الممتنع لذاته؛ كالجمع بين النقيضين والضدّين، فهذا لا يجوز التكليف به؛ لأنه لا يُتصوّر، وقد يراد الممتنع لغيره، وإن كان في ذاته ممكنًا؛ كإيمان الكافر الذي علم الله أنه لا يؤمن، واعتبار هذا مما لا يطاق هو مذهب الجبريّة، وقد يراد به ما يشقّ مشقّة عظيمة فوق الوسع، فالتكليف بهذين جائزٌ وواقع، كما قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَو أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦]، وقد يراد بما لا يطاق ما لا قدرة للعبد عليه أصلًا؛ كالمشي من المُقْعَد، والكتابة مِنْ مَنْ هو أقطع اليد، وهذا


(١) "الفتح" ١٣/ ٤٨٢.
(٢) هو: الشيخ البراك فيما كتبه في هامش "الفتح".