للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ - رحمه الله -: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أو مسلمًا"، فليس فيه إنكارُ كونه مؤمنًا، بل معناه النهي عن القطع بالإيمان، وأن لفظة الإسلام أولى به، فإن الإسلام معلومٌ بحكم الظاهر، وأما الإيمان فباطن، لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد زَعَم صاحب "التحرير" أن في هذا الحديث إشارةً إلى أن الرجل لم يكن مؤمنًا، وليس كما زَعَمَ، بل فيه إشارة إلى إيمانه، فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال في جوابه سعد: "إني لأُعطي الرجلَ، وغيره أحبُّ إليّ منه"، ومعناه: أُعطي مَن أخاف عليه؛ لضعف إيمانه أن يَكْفُر، وأَدَعُ غيره، ممن هو أَحَبُّ إليّ منه؛ لما أعلمه من طمأنينة قلبه، وصلابة إيمانه. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).

وقال في "الفتح": قوله: "فقال: أَوْ مسلمًا" هو بإسكان الواو، لا بفتحها، فقيل: هي للتنويع، وقال بعضهم: هي للتشريك، وأنه أمره أن يقولهما معًا؛ لأنه أحوط، ويَرُدُّ هذا رواية النسائيّ في "المجتبى" (٢)، وابنِ الأعرابيّ في "معجمه" في هذا الحديث: "فقال: لا تقل: مؤمنٌ، وقل: مسلمٌ"، وفي لفظ: "بل قل: مسلم"، فوضح أنها للإضراب، وليس معناه الإنكار، بل المعنى أن إطلاق المسلم على من لم يُخْتَبَر حالُه الخِبْرَةَ الباطنةَ أولى من إطلاق المؤمن؛ لأن الإسلام معلوم بحكم الظاهر، قاله الشيخ محيي الدين مُلَخَّصًا.

وتعقّبه الكرمانيّ بأنه يلزم منه أن لا يكون الحديث دالًّا على ما عُقِدَ له الباب (٣)، ولا يكون لردّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على سعد فائدةٌ.

قال الحافظ: وهو تعقُّبٌ مردودٌ، وقد بَيّنّا وجه المطابقة بين الحديث والترجمة قبلُ (٤).


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ١٨١ - ١٨٢.
(٢) أخرجه النسائيّ في "المجتبى" برقم (٤٩٩٥).
(٣) يعني الباب الذي عقده الإمام البخاريّ - رحمه الله - بقوله: "باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة … " إلخ.
(٤) والجواب ما قاله: ومناسبة الحديث للترجمة ظاهرةٌ من حيث إن المسلم يُطلق على من أظهر الإسلام، وإن لم يُعلم باطنه، فلا يكون مؤمنًا؛ لأنه ممن لم يصدُق عليه الحقيقة الشرعيّة، وأما اللغويّة فحاصلة. انتهى. "الفتح" ١/ ١٠٠.
وللعينيّ مناقشة لهذه المناسبة على عادته المستمرّة في ردّ توجيه الحافظ؛ تكديرًا، لا تحريرًا، فتنبّه.