للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

شاء من غير قُرعة، وإن كان قد دعاهم جميعًا إذا علم أن كل واحد منهم يصل من الطعام إلى ما يكفيه في ذلك الوقت.

١٢ - (ومنها): استحباب اجتماع العدد من الناس على جفنة واحدة عند كثرتهم، لكن هذا إذا لم تَحمل الجفنة أكثر من ذلك، فلو كانت كجفنة الرَّكب لَأَكل عليها أكثر من هذا العدد، قاله القرطبيّ (١).

١٣ - (ومنها): جواز الشِّبَع، خلافًا لمن كرهه مطلقًا، وهم قومٌ من المتصوفة، لكن الذي يُكره منه ما يزيد على الاعتدال، وهو الأكل بكلّ البطن، حتى لا يترك للماء، ولا للنَّفس مساغًا، وقد ينتهي هذا إلى تجاوز الحد، فيُحكم عليه بالتحريم كما تقدَّم. وكونه - صلى الله عليه وسلم - أَكَل بعدهم؛ إنَّما كان ذلك لأنه هو أطعمهم ببركة دعائه، فكان آخرهم أكلًا، كما قال في الشراب: "ساقي القوم آخرهم شُربًا"، رواه مسلم، وأيضًا: فليحصل على درجة الإيثار؛ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان أشدَّهم جوعًا؛ لأنَّه كان قد شدَّ على بطنه بحجرين، ومع ذلك فقدَّمهم عليه وآثرهم بالأكل قبله.

وشدُّ البطن بالحجر يُسْكن سَوْرة الجوع، وذلك: أنه يلصق البطن بالأمعاء، والأمعاء بالبطن، فتلتصق المعدة بعضها بالبعض، فيقل الجوع. وقيل: إنما يفعل ذلك ليقوى من الضعف الذي يجده بسبب الجوع. والأول أبْيَن، قاله القرطبيّ - رحمه الله - أيضًا (٢).

١٤ - (ومنها): أن فيه العَلَم الساطع النيِّر، والبرهان الواضح من أعلام نبوّته - صلى الله عليه وسلم -، وقد رُوي هذا المعنى وشِبْهه من وجوه كثيرة؛ كحديث أنس هذا، وحديث جابر - رضي الله عنه - الماضي، وكذلك حديث أبي أيوب الأنصاريّ - رضي الله عنه -، وغيرهم.

وقال النوويّ - رحمه الله - في شرح حديث جابر - رضي الله عنه -: وقد تضمن هذا الحديث عَلَمين من أعلام النبوة: أحدهما: تكثير الطعام القليل، والثاني: عِلْمه - صلى الله عليه وسلم - بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسة أنفس، أو نحوهم سيكثر، فيكفي ألفًا وزيادة، فدعا له ألفًا قبل أن يصل إليه، وقد عَلِم


(١) "المفهم" ٥/ ٣١١.
(٢) "المفهم" ٥/ ٣١١.