وقال القرطبيّ في "تفسيره"(١): قال ابن فارس: النُّصُب حجر كان يُنصب، فيعبد، وتُصَبّ عليه دماء الذبائح، وهو النَّصْب - بالفتح - أيضًا، والنصائب حجارة تُنصب حوالي شفير البئر، فتُجعل عضائدَ، وغُبار منتصبٌ: مرتفع، وقيل: النُّصُب جمعٌ واحده نِصاب، كحمار وحُمُر، وقيل: هو اسم مفرد، والجمع أنصاب، وكانت ثلاثمائة وستين حجرًا، وقال مجاهد: هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها قال ابن جريجٍ: كانت العرب تذبح بمكة، وتنضح بالدم ما أقبل من البيت، ويشرحون اللحم، ويضعونه على الحجارة، فلما جاء الإسلام قال المسلمون للنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نحن أحقّ أن نعظِّم هذا البيت بهذه الأفعال، فكأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يكره ذلك، فأنزل الله تعالى:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا} [الحج: ٣٧"، ونزلت: وَ {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}[المائدة: ٣].
{وَالْأَزْلَامُ} هي: قِداح الميسر، واحدهما زَلَمٌ، وزُلَم، قال:
وذكر محمد بن جرير، أن ابن وكيع حدّثهم، عن أبيه، عن شَرِيك، عن أبي حَصِين، عن سعيد بن جبير: أن الأزلام حَصًى بِيضٌ، كانوا يضربون بها.
قال محمد بن جرير: قال لنا سفيان بن وكيع: هي الشَّطْرنج، فأما قول لبيد:
تَزِلُّ عَنِ الثَّرَى أَزْلَامُهَا
فقال: أراد أظلاف البقرة الوحشية، والأزلام للعرب ثلاثة أنواع:
[منها]: الثلاثة التي كان يتخذها كلّ إنسان لنفسه، على أحدها: افْعَلْ، وعلى الثاني: لا تفعل، والثالث مهمل، لا شيء عليه، فيجعلها في خريطة معه، فإذا أراد فعل شيء، أدخل يده وهي متشابهة، فإذا خرج أحدها ائتمر، وانتهى بحسب ما يَخرج له، وإن خرج القدح الذي لا شيء عليه أعاد الضرب، وهذه هي التي ضرب بها سُراقة بن مالك بن جُعشُم، حين اتّبع النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر، وقت الهجرة، وإنما قيل لهذا الفعل: استقسام؛ لأنهم كانوا يستقسمون به