للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ذكر هذا كلّه في "الفتح" (١)، وهو بحث نفيس جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب.

(المسألة الرابعة): في بيان تحريم الخمر، وبيان ما هي الخمر؟:

قال النوويّ رحمه الله: وفي هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تصريح بتحريم جميع الأنبذة المسكرة، وأنها كلها تسمى خمرًا، وسواء في ذلك الفَضِيخ، ونبيذ التمر، والرُّطَب، والْبُسْر، والزبيب، والشعير، والذُّرة، والعَسَل، وغيرها، وكلها محرّمة، وتسمى خمرًا.

هذا مذهبنا، وبه قال مالك، وأحمد، والجماهير من السلف والخلف.

وقال قوم من أهل البصرة: إنما يحرم عصير العنب، ونقيع الزبيب النيء، فأما المطبوخ منهما، والنيء والمطبوخ مما سواهما، فحلال ما لم يشرب، ويَسْكَر.

وقال أبو حنيفة: إنما يحرم عصير ثمرات النخل والعنب، قال، فسُلافة العنب (٢) يحرم قليلها وكثيرها، إلا أن يُطبخ حتى ينقص ثلثاها، وأما نقيع التمر، والزبيب، فقال: يَحِلّ مطبوخهما، وإن مسته النار شيئًا قليلًا من غير اعتبار لحد، كما اعتُبر في سُلافة العنب، قال: والنيء منه حرام، قال: ولكنه لا يُحدّ شاربه، هذا كله ما لم يُسكِر، فإن أسكر فهو حرام بإجماع المسلمين.

واحتجّ الجمهور بالقرآن، والسُّنَّة، أما القرآن فهو أن الله تعالى نبّه على أن علة تحريم الخمر كونها تصدّ عن ذكر الله، وعن الصلاة، وهذه العلة موجودة في جميع المسكرات، فوجب طرد الحكم في الجميع.

[فإن قيل]: إنما يحصل هذا المعنى في الإسكار، وذلك مجمَع على تحريمه.

[قلنا]: قد أجمعوا على تحريم عصير العنب، وإن لم يُسْكِر، وقد علَّل الله سبحانه وتعالى تحريمه كما سبق، فإذا كان ما سواه في معناه وجب طرد الحكم في الجميع، ويكون التحريم للجنس المسكر، وعلَّل بما يحصل من الجنس في


(١) "الفتح" ١٢/ ٦٠٣ - ٦٠٦، كتاب "الأشربة" رقم (٥٥٨٢).
(٢) السُّلافة كثُمامة: الخمر. اهـ. "ق".