للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال النوويّ - رحمه الله -: وأجمع العلماء على أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه، أو ماله، أو على غيره، سقط الإنكار بيده، ولسانه، ووجبت كراهته بقلبه، هذا مذهبنا، ومذهب الجماهير، وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقًا في هذه الحالة، وغيرها. انتهى (١).

وقال الطبريّ - رحمه الله -: اختَلَف السلف في الأمر بالمعروف، فقالت طائفة: يجب مطلقًا، واحتجوا بحديث طارق بن شهاب رفعه: "أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر"، وبعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده. . ." الحديث، وقال بعضهم: يجب إنكار المنكر، لكن شرطه أن لا يلحق المنكر بلاءٌ، لا قِبَلَ له به من قَتْل، ونحوه، وقال آخرون: يُنكِر بقلبه؛ لحديث أم سلمة - رضي الله عنها - مرفوعًا: "يُسْتَعْمَل عليكم أمراء بعدي، فمن كَرِهَ فقد برئ، ومن أنكر فقد سَلِم، ولكن من رَضِيَ وتابع. . ." (٢) الحديث.

قال: والصواب اعتبار الشرط المذكور، ويدلّ عليه حديث: "لا ينبغي لمؤمن أن يذلّ نفسه"، ثم فسّره بأن يتعرض من البلاء لِمَا لا يُطيق. انتهى ملخصًا.

وقال غيره: يجب الأمر بالمعروف لمن قَدَر عليه، ولم يَخَف على نفسه منه ضررًا، ولو كان الآمر متلبسًا بالمعصية؛ لأنه في الجملة يُؤْجَر على الأمر بالمعروف، ولا سيما إن كان مطاعًا، وأما إثمه الخاصّ به فقد يغفره الله له، وقد يؤاخذه به، وأما من قال: لا يأمر بالمعروف، إلا من ليست فيه وصمة، فإن أراد أنه الأَولى فجيّد، وإلا فيستلزم سدّ باب الأمر، إذا لم يكن هناك غيره. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تحصّل مما سبق أن الحقّ هو ما عليه جمهور أهل العلم من وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لمن قَدَر


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٢٣٠.
(٢) حديث صحيح أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذيّ.
(٣) "الفتح" ١٦/ ٥١٣، كتاب "الفتن" رقم (٧٠٩٨).