للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والعلماء الطعن على الناقل، لا على المنقول عنه، والله تعالى أعلم.

[فإن قيل]: إن الشيخ لَمْ يكن قاصدًا لإدخال المريد نفسه النار، وإنما صدر ذلك منه على جهة التأديب والتغليظ؛ لكونه أكثر عليه من السؤال، فكأنه قطعه عما كان أَولى به في ذلك الحال، والمريد لصحّة اعتقاده في شيخه، وللوفاء بما جعل له عليه من الطاعة، وتَرْك المخالفة، ولاعتقاده أنه لا يأمره إلَّا بما فيه مصلحةٌ دينيّة، ثم إنه قد صحّ توكّل هذا المريد على الله تعالى، وصدقه في حاله، فحصل له من مجموع ذلك أن الله تعالى ينجّيه من النار، ويجعل له في ذلك مخرجًا.

[فالجواب]: أن يقول من يُجوّز الإقدام على تلك الحالة بتلك القيود المذكورة، يلزمه أن يُجوّز ما هو مُحرّم إجماعًا.

بيان ذلك: أنه لو قال له على تلك الحال بتلك القيود: اقتل فلانًا المسلم، أو ازْنِ بفلانة، أو اشرب الخمر، لَمْ يجُز الإقدام على شيء من ذلك بالإجماع، ولو كانت له تلك القيود كلّها، ولا فرق بين سورة الحكاية المذكورة، وبين هذه الصور التي ذكرناها، إذ الكلّ محرّمٌ قطعًا، وإن جُوّز انخراق العادة في أن النار لا تحرق، والسيف لا يحُزّ الرقبة، والْمُدْية لا تقطع الحلق، لكنّ هذه التجويزات لا يُلتفت إليها، ولا تُهَدّ القواعد الشرعيّة لأجلها، فلو أقدم على شيء من تلك الأمور لأجل أمر هذا الشيخ، لكان عاصيًا، فكذلك إذا ألقى نفسه في النار، ولا فرق.

ثم نقول: إن التوكّل على الله لا يصحّ مع المخالفة والمعصية، وذلك أن التوكّل على الله تعالى هو الاعتماد عليه، والتفويض إليه فيما يجوز الإقدام عليه، أو فيما يُخاف وقوعه، أو يُرتجى حصوله، وقد يُفضي التوكّل بصاحبه إلى أن لا يخاف شيئًا إلَّا الله، ولا يرجو سواه؛ إذ لا فاعل على الحقيقة إلَّا هو، وهذه الحالة إنما تثمرها المعرفة بالله تعالى، وبأحكامه، وملازمة الطاعة والتقوى، والتوفيق الخاصّ الإلهيّ، وعلى هذا فمن المحال حصول هذه الحالة مع المعصية والمخالفة، والصحيح ما قاله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو دخلوها ما خرجوا منها"، وهذا هو الحقّ المُبين، ولو كَرِه أكثر الجاهلين.

ومن نوع هذه الحكاية: حكاية أبي حمزة الذي وقع في البئر، ثم جاء