للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يُرِيد أَنَّهُ سِيقَ مَسَاق الزَّجْر وَالتَّخْويف، لِيَفْهَمَ السَّامِع أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ خُلِّدَ فِي النَّار، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا أرِيدَ بِهِ الزَّجْر وَالتَّخْوِيف.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَقْصِد دُخُولهمْ النَّار حَقِيقَةً، وإِنَّمَا أَشَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ طَاعَة الْأَمِير وَاجِبَة، وَمَنْ تَرَكَ الْوَاجِب دَخَلَ النَّار، فَإِذَا شَقَّ عَلَيْكُمْ دُخُول هَذِهِ النَّار، فَكَيْف بِالنَّارِ الْكُبْرَى؛ وَكَأَنَّ قَصْده أَنَّهُ لَوْ رَأَى مِنْهُمْ الْجِدّ فِي وُلُوجهَا لَمَنَعَهُمْ. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أحسن التأويلات عندي ما استظهره الحافظ فيما سبق، من أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أخبرهم بأنهم لو دخلوها ظانّين بأن طاعة أميرهم يُنجيهم منها، وأنها لا تضرّهم، لَمَا نفعهم ذلك، بل يحترقون، ويموتون، فلا يرجعون إلى الدنيا إلى يوم القيامة، فهذا الوجه أقرب الأوجه، فتأمّله بالإمعان، والله تعالى أعلم.

(وَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِلآخَرِينَ قَوْلًا حَسَنًا)؛ أي: أثنى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الذين قالوا: إنما فررنا منها، حيث إنهم أصابوا الحقّ، (وَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مبيّنًا للقاعدة العامّة التي يجب معرفتها، والسير على ضوئها ("لَا طَاعَةَ) لأيّ أحد (فِي مَعْصِيَةِ الله، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ") وفي حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: "مَنْ أَمَركم منهم بمعصية، فلا تطيعوه".

قال أبو العباس القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "إنما" هذه للتحقيق والحصر، فكأنه قال: لا تكون الطاعة إلَّا في المعروف، ويعني بالمعروف هنا ما ليس بمنكر، ولا معصية، فيدخل فيها الطاعة الواجبة، والمندوب إليها، والأمور الجائزة شرعًا، فلو أمر بجائز لصارت طاعته واجبةً، ولَمَا حلّت مخالفته، فلو أَمَر بما زجر الشرع عنه زجر تنزيه، لا تحريم، فهذا مشكل، والأظهر جواز المخالفة؛ تمسّكًا بقوله: "إنما الطاعة في المعروف"، وهذا ليس بمعروف، إلَّا بأن يخاف على نفسه منه، فله أن يمتثل، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

قال الجامع عفا الة تعالى عنه: قوله: "فهذا مشكل" فيه نظرٌ لا يخفى؛ إذ


(١) "الفتح" ١٦/ ٦٢٧ - ٦٢٨، كتاب "الأحكام" رقم (٧١٤٥).
(٢) "المفهم" ٤/ ٤١.