للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ومكتوب في حكمة داود وفي صحف إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَام -: "مَن عَدَّ كلامه من عمله، قَلّ كلامه، إلَّا فيما يعنيه"، وفي المَثَل السائر: التقيُّ مُلْجَم (١).

هذا إذا حملنا الحديث على سؤال أموال الناس، وأما إذا حملناه على سؤال المسائل العلميّة، وهو الذي عزاه ابن عبد البرّ إلى أكثر العلماء، حيث قال: وأما كثرة السؤال فمعناه عند أكثر العلماء التكثير في السؤال من المسائل، والنوازل، والأغلوطات، وتشقيق المولَّدات، وقال ما لك: أما نهي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كثرة السؤال، فلا أدري، أهو الذي أنهاكم عنه من كثرة المسائل، فقد كره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسائل وعابها، أم هو مسألة الناس؟.

قال ابن عبد البرّ: الظاهر في لفظ هذا الحديث كراهة السؤال عن المسائل، إذا كان ذلك على الإكثار، لا على الحاجة عند نزول النازلة؛ لأنَّ السؤال في مسألة الناس إذا لَمْ يَجُز فليس يُنْهَى عن كثرته دون قلّته، بل الآثار في ذلك آثار عموم، لا تفزق بين القلة والكثرة لمن كُرِه له ذلك.

قال: وكان الأصل في هذا أنهم كانوا يسألون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أشياء، ويُلِحُّون فيها، فينزل تحريمها، قال الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١)} [المائدة: ١٠١]، وثبت عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "أعظم المسلمين في المسلمين جُرْمًا، من سأل عما لَمْ يُحَرَّم، فحُرِّم على الناس من أجل مسألته" (٢).

٥ - (ومنها): تحريم إضاعة المال، سواء كان بإلقائه في البحر، أو إحراقه في النار، أو صرفه في المحرّمات، أو الإسراف في الإنفاق فوق الحاجة، أو غير ذلك من وجوه إتلافه، فكلّه محرّم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رَحِمَهُ اللهُ - أوَّل الكتاب قال:

[٤٤٧٤] ( … ) - (وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ،


(١) "التمهيد" ٢١/ ٢٨٩.
(٢) حديث صحيح، أخرجه أبو داود في "سننه" ٤/ ٢٠١.