للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قاله عبد الوهّاب، فهذا ظاهر قويّ في الحدود، وأما في غيرها، فيدلّ عليه حديث خزيمة - رضي الله عنه -، حيث اشترى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أعرابيّ فرسًا، فمشى معه ليعطيه ثمنه، فعرض للأعرابيّ من زاده في الثمن، فأراد أن يبيعه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد بعته منّي"، فأنكر الأعرابيّ، وقال: من يشهد لك؟ فاستدعى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من يشهد، فشهد خزيمة، فهذا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يحكم بعلمه، حتّى قامت الشهادة، ولا يُنفَصل عن هذا بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك؛ لأن الحقّ كان له، ولا يشهد أحدٌ لنفسه، ولا يحكم لها، ولأنه لا يُعطى أحدٌ بدعواه، ولأنه قد قطع حجة الأعرابيّ لَمّا طلب منه الشهادة؛ لأنا نقول: إنما اعتُبر ذلك كله في حقّ غير النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لإمكان ادّعاء الباطل والكذب، وإرادة أخذ مال الغير، ودفعه عن حقّه، وكل ذلك معدوم في حقّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قطعًا، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - للمنافقين: "أيأمَنُني الله تعالى على أهل الأرض، ولا تَأْمَنُوني؟ والله إني لأمين من في السماء"، متّفقٌ عليه.

وأما قوله: إنما فعله لقطع حجة الخصم، فإنه باطلٌ، إذ لا حجة له، ولا لغيره على خلاف ما قاله النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فإن هذا الأعرابيّ إن كان مسلمًا، فقد علم صدق النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان كافرًا، فلا مبالاة بقوله، إذ قد قام دليلٌ على صدقه، وعلمه العقلاء، كما لم يبال بقول من كذّبه من الكفّار، ولا بقول الذي اتّهمه في القسمة، حيث قال: يا محمد اعدل، فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله.

ومِن أوضح ما يدلّ على المطلوب، وأصحّه حديث قصّة أبي جهم - رضي الله عنه -، حيث بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصَدِّقًا، فلاجّه رجلان، فشجّهما، فأتيا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يطلبان القصاص، فبذل لهما مالًا، فرضيا به، فقال: "إني أخطب الناس، وأذكر لهم ذلك، أفرضيتما؟ " قالا: نعم، فخطب الناس، ثم قال: "أرضيتما؟ " قالا: لا، فهمّ بهما المهاجرون والأنصار، فمنعهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم نزل، فزادهما، فرضيا، ثم صعد المنبر، فقال: "أرضيتما؟ " قالا: نعم. وموضع الحجة: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحكم عليهما بعلمه لَمّا جحدا، وهو المطلوب، ذكره أبو داود من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وهو صحيح.

والحاصل أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يحكم بعلمه؛ تعليمًا لأمته، وسعيًا في سدّ