للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بحديث عليّ - رضي الله عنه - رفعه: "لا تَقْضِي لأحد الخصمين حتى تسمع من الآخر"، وهو حديث حسن أخرجه أبو داود، والترمذي، وغيرهما، وبحديث الأمر بالمساواة بين الخصمين، وبأنه لو حضر لم تُسمع بينة المدعي حتى يسأل المدعى عليه، فإذا غاب فلا تُسمع، وبأنه لو جاز الحكم مع غَيبته لم يكن الحضور واجبًا عليه.

وأجاب من أجاز: بأن ذلك كله لا يمنع الحكم على الغائب؛ لأن حجته إذا حضر قائمة، فتُسمع، ويُعمل بمقتضاها، ولو أدى إلى نقض الحكم السابق، وحديث عليّ - رضي الله عنه - محمول على الحاضرين، وقال ابن العربي: حديث علي إنما هو مع إمكان السماع، فأما مع تعذره بمغيب، فلا يمنع الحكم كما لو تعذر بإغماء، أو جنون، أو حَجْر، أو صِغَر، وقد عمل الحنفية بذلك في الشفعة، والحكم على من عنده للغائب مال أن يدفع منه نفقة زوج الغائب، ثم ذكر البخاريّ حديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة هند، وقد احتجّ بها الشافعيّ، وجماعة لجواز القضاء على الغائب.

وتُعُقّب بأن أبا سفيان كان حاضرًا في البلد (١).

وقال في "الفتح" أيضًا في "كتاب النفقات" ما حاصله: استَدَلّ به الخطابي على جواز القضاء على الغائب، وقد ترجم البخاري في "كتاب الأحكام": "القضاء على الغائب"، وأورد هذا الحديث من طريق سفيان الثوري، عن هشام بلفظ: "إن أبا سفيان رجل شحيح، فاحتاج أن آخذ من ماله، قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، وذكر النوويّ أن جمعًا من العلماء من أصحاب الشافعيّ، ومِن غيرهم استدلوا بهذا الحديث لذلك، حتى قال الرافعي في القضاء على الغائب: احتج أصحابنا على الحنفية في منعهم القضاء على الغائب بقصة هند، وكان ذلك قضاء من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على زوجها، وهو غائب، قال النوويّ: ولا يصح الاستدلال؛ لأن هذه القصة كانت بمكة، وكان أبو سفيان حاضرًا بها، وشَرْط القضاء على الغائب، أن يكون غائبًا عن البلد، أو مستتِرًا لا يُقدر عليه، أو متعزِّزًا، ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان


(١) "الفتح" ١٦/ ٧٠٧ - ٧٠٨، كتاب "الأحكام" رقم (٧١٨٠).