للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

مُلكه، وأقام بذلك شاهدي زور، وهو يعلم حريته، فإذا حَكَم له الحاكم بأنه مُلكه، لم يحل له أن يسترقّه بالإجماع.

قال النووي: والقول بأن حكم الحاكم يُحِلّ ظاهرًا وباطنًا مخالف لهذا الحديث الصحيح، وللإجماع السابق على قائله، ولقاعدةٍ أجمع العلماء عليها، ووافقهم القائل المذكور، وهو أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال.

وقال ابن العربيّ: إن كان حاكمًا نَفَذ على المحكوم له، أو عليه، وإن كان مفتيًا لم يَحِل، فإن كان المفتي له مجتهدًا، يرى بخلاف ما أفتاه به، لم يجز، وإلا جاز. والله أعلم.

وقال القرطبيّ: شنَّعوا على من قال ذلك قديمًا وحديثًا؛ لمخالفة الحديث الصحيح، ولأن فيه صيانة المال، وابتذال الفروج، وهي أحق أن يُحتاط لها وتُصان.

واحتج بعض الحنفية بما جاء عن عليّ - رضي الله عنه - أن رجلًا خطب امرأة فأبت، فادعى أنه تزوجها، وأقام شاهدين، فقالت المرأة: إنهما شهدا بالزور، فزوِّجني أنت منه، فقد رضيت، فقال: "شاهداك زوَّجاك"، وأمضى عليها النكاح.

وتُعُقّب بأنه لم يثبت عن علي - رضي الله عنه -، واحتج المذكور من حيث النظر، بأن الحاكم قضى بحجة شرعية، فيما له ولاية الإنشاء فيه، فجعل الإنشاء تحرزًا عن الحرام، والحديث صريح في المال، وليس النزاع فيه، فإن القاضي لا يملك دفع مال زيد إلى عمرو، ويملك إنشاء العقود والفسوخ، فإنه يملك بيع أمَة زيد مثلًا من عمرو، حال خوف الهلاك للحفظ، وحال الغَيْبة، ويملك إنشاء النكاح على الصغيرة، والفرقة على العنّين، فيجعل الحكم إنشاء؛ احترازًا عن الحرام، ولأنه لو لم ينفذ باطنًا، فلو حكم بالطلاق لبقي حلالًا للزوج الأول باطنًا، وللثاني ظاهرًا، فلو ابتلى الثاني مثل ما ابتلى الأول، حَلّت للثالث، وهكذا فتحلّ لِجَمْع متعدد في زمن واحد، ولا يخفى فُحشه، بخلاف ما إذا قلنا بنفاذه باطنًا، فإنها لا تحل إلا لواحد. انتهى.

وتُعُقّب بأن الجمهور إنما قالوا في هذا: تحرم على الثاني مثلًا، إذا عَلِم أن الحُكم ترتَّب على شهادة الزور، فإذا اعتمد الحكم، وتعمَّد الدخول بها، فقد ارتكب مُحَرَّمًا، كما لو كان الحكم بالمال فأكله، ولو ابتلى الثاني كان