للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقيل: معرفة الفصل والوصل. وقيل: الكلام الدال أوله على آخره وعكسه. وهذا كله عن المتقدِّمين. وعَرَّف أهل المعاني والبيان البلاغة بأنها: "مطابقة الكلام لمقتضى الحال والفصاحةُ"، وهي خلوّه عن التعقيد. وقالوا: المراد بالمطابقة: ما يحتاج إليه المتكلم، بحسب تفاوت المقامات، كالتأكيد وحذفه، والحذف وعدمه، أو الإيجاز والإسهاب، ونحو ذلك. والله أعلم.

١٢ - (ومنها): الرد على من حَكَم بما يقع في خاطره، من غير استناد إلى أمر خارجيّ، من بيّنة ونحوها، واحتج بأن الشاهد المتصل به، أقوى من المنفصل عنه.

ووجه الرد عليه كونه - صلى الله عليه وسلم -، أعلى في ذلك من غيره مطلقًا، ومع ذلك فقد دل حديثه هذا على أنه إنما يَحكم بالظاهر في الأمور العامة، فلو كان المدعَى صحيحًا لكان الرسول أحق بذلك، فإنه أعلمَ أنه تجري الأحكام على ظاهرها، ولو كان يمكن أن الله يطلعه على غيب كل قضية، وسبب ذلك أن تشريع الأحكام واقع على يده، فكأنه أراد تعليم غيره من الحكام أن يعتمدوا ذلك، نعم لو شهدت البينة مثلًا بخلاف ما يعلمه علمًا حسيًا بمشاهدة، أو سماع يقينيًا، أو ظنيًا راجحًا، لم يَجُز له أن يحكم بما قامت به البينة، ونَقَل بعضهم الاتفاق، وإن وقع الاختلاف في القضاء بالعلم.

١٣ - (ومنها): أنه يستفاد من قوله: "وتَوَخَّيا الحقّ" جواز الإبراء من المجهول؛ لأن التوخي لا يكون في المعلوم.

١٤ - (ومنها): أن في الحديث أيضًا موعظةَ الإمام الخصومَ؛ ليعتمدوا الحق، والعمل بالنظر الراجح، وبناء الحكم عليه، وهو أمر إجماعي للحاكم والمفتي (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في بيان أن حكم الحاكم لا يُحلّ حرامًا، ولا يُحرّم حلالًا مطلقًا:

قال ابن قُدامة رحمه الله: حكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته، في قول


(١) راجع: "الفتح" ١٧/ ٧ - ١٢، كتاب "الأحكام" رقم (٧١٨١).