لو كان عنده الحديث المرفوع لم يَعْدِل عنه إلى القياس، ولو كان عند من بحضرته من الصحابة كعمر، وسائر من ذُكِر في ذلك شيء مرفوع لأنكروا عليه.
وتُعُقّب بأنه إنما يتجه الإنكار لو كان المنزع واحدًا، فأما مع الاختلاف فلا يتجه الإنكار، وبيان ذلك أن في سياق القصة ما يقتضي أنهم كانوا يعرفون أن الحدّ أربعون، وإنما تشاوروا في أمر يحصل به الارتداع، يزيد على ما كان مقرّرًا، ويشير إلى ذلك ما وقع من التصريح في بعض طرقه أنهم احتقروا العقوبة، وانهمكوا، فاقتضى رأيهم أن يُضيفوا إلى الحدّ المذكور قَدْره، إما اجتهادًا بناءً على جواز دخول القياس في الحدود، فيكون الكلّ حدًّا، أو استنبطوا من النص معنى يقتضي الزيادة في الحدّ، لا النقصان منه، أو القدرُ الذي زادوه كان على سبيل التعزير؛ تحذيرًا وتخويفًا؛ لأن من احتَقَر العقوبة إذا عرف أنها غُلِّظت في حقه كان أقرب إلى ارتداعه، فَيَحْتَمِل أن يكونوا ارتدعوا بذلك، ورجع الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، فرأى عليّ الرجوع إلى الحدّ المنصوص، وأعرض عن الزيادة لانتفاء سببها.
ويَحْتَمِل أن يكون القَدْر الزائد كان عندهم خاصًّا بمن تمرّد، وظهرت منه أمارات الاشتهار بالفجور، ويدلّ على ذلك أن في بعض طرق حديث الزهريّ، عن حميد بن عبد الرحمن، عند الدارقطنيّ وغيره: فكان عمر إذا أُتي بالرجل الضعيف تكون منه الزلّة جلده أربعين، قال: وكذلك عثمان جلد أربعين وثمانين.
وقال المازريّ: لو فَهِمَ الصحابة - رضي الله عنهم - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حَدّ في الخمر حدًّا معيَّنًا، لَمَا قالوا فيه بالرأي، كما لم يقولوا بالرأي في غيره، فلعلهم فَهِمُوا أنه ضرب فيه باجتهاده في حقّ من ضربه. انتهى.
وقد وقع التصريح بالحدّ المعلوم، فوجب المصير إليه، ورُجِّح القولُ بأن الذي اجتهدوا فيه زيادة على الحدّ إنما هو التعزير، على القول بأنهم اجتهدوا في الحدّ المعيّن؛ لِمَا يلزم منه من المخالفة التي ذكرها، كما سبق تقريره.
وقد أخرج عبد الرزاق، عن ابن جريج، أنبأنا عطاء، أنه سمع عُبيد بن عُمير يقول: "كان الذي يَشرب الخمر يضربونه بأيديهم، ونعالهم، فلما كان