للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

تُسقط الذنوب التي تقدّمتها كلَّها، صغيرها وكبيرها، فإن الألفاظ عامّة، خرجت على سؤال خاصّ، فإن عمرًا إنما سأل أن تُغفَر له ذنوبه السابقة بالإسلام، فأجيب على ذلك، فالذنوب داخلة في تلك الألفاظ العامّة قطعًا، وهي بحكم عمومها صالحة لتناول الحقوق الشرعيّة، والحقوق الآدميّة، وقد ثبت ذلك في حقّ الكافر الحربيّ إذا أسلم، فإنه لا يطالب بشيء من تلك الحقوق، ولو قَتَلَ، وأَخَذَ الأموال لم يُقتصّ منه بالإجماع، ولو خَرجت الأموال من تحت يده لم يُطالَب بشيء منها، ولو أسلم الحربيّ، وبيده مال مسلم: عبيد، أو عُروض، أو عينٌ، فمذهب مالك: أنه لا يجب عليه ردّ شيء من ذلك؛ تمسّكًا بعموم هذا الحديث، وبأن للكفّار شبه ملك فيما حازوه من أموال المسلمين وغيرهم؛ لأن الله تعالى قد نسب لهم أموالًا وأولادًا، فقال تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا} [التوبة: ٥٥].

وذهب الشافعيّ إلى أن ذلك لا يحلّ لهم، وأنه يجب عليهم ردّها إلى من كان يملكها من المسلمين، وأنهم كالْغُصّاب، وهذا يُبعده أنهم لو استهلكوا ذلك في حال كفرهم، ثم أسلموا، لم يضمنوا بالإجماع، على ما حكاه أبو محمد عبد الوهّاب، فأما أسر المسلمين الأحرار، فيجب عليهم رفع أيديهم عنهم؛ لأن الحرّ لا يُملَكُ، وأما من أسلم من أهل الذمّة، فلا يُسقط عنه الإسلام حقًّا وجب عليه لأحد من مال، أو دم، أو غيرهما؛ لأن أحكام الإسلام جاريةٌ عليهم.

قال: وأما الهجرة، والحجّ، فلا خلاف في أنهما لا يُسقطان إلا الذنوب والآثام السابقة، وهل يُسقطان الكبائر، أو الصغائر فقط؟ موضع نظر، سيأتي تحقيقه في "كتاب الطهارة" - إن شاء الله تعالى - (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الإمام مالك من عموم ظاهر هذا الحديث لحقوق الله سبحانه وتعالى، ولحقوق الآدميين، فتسقط كلها عن الكافر إذا أسلم هو الأرجح؛ عملًا بظاهر العموم، والله تعالى أعلم.

ثم أشار إلى الطّبَقِ الثالث، فقال:


(١) "المفهم" ١/ ٣٢٩ - ٣٣٠.