للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على سبيل التمنّي للخير، وإنما جزم به؛ لأنه غلب عليه الرجاء؛ لكونه قصد به الخير، وأمر الآخرة، لا لغرض الدنيا، قاله في "الفتح" (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله: هذا الكلام من سليمان عليه السلام ظاهره الجزم على أن الله يفعل ذلك الذي أراد، لكن الذي حمله على ذلك صِدْقُ نيّته في حصول الخير، وظهور الدِّين، وفعل الجهاد، وغلبة رجاء فضل الله تعالى في إسعافه بذلك، ولا يَظُنُّ به أنه قطع بذلك على الله تعالى إلا مَن جَهِل حالة الأنبياء عليهم السلام في معرفتهم بالله تعالى وبحدوده، وتأدبهم معه. انتهى (٢).

(فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا وَاحِدَةٌ، فَوَلَدَتْ نِصْفَ إِنْسَانٍ) وفي رواية هشام بن حجير التالية: "جاء بشقّ غلام"، وفي رواية ورقاء: "فجاءت بشق رجل"، قال في "الفتح": حكى النقّاش في "تفسيره" أن الشق المذكور هو الجسد الذي أُلقي على كرسيّه، قال: وقد تقدّم قول غير واحد من المفسّرين: إن المراد بالجسد المذكور شيطان، وهو المعتمد، والنقّاش صاحب مناكير. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قال فيه: هو المعتمد لا ينبغي أن يُعتمد عليه؛ لأن قصّة الشيطان التي يحكونها فيها ما لا يخفى من تلاعب الشيطان بنبيّ الله سليمان عليه السلام، وهضم منصب النبوّة، فالأقرب ما قاله النقّاش، فتأمّل القصّة بالإمعان، والله تعالى المستعان.

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: لوْ كَانَ اسْتَثْنَى)؛ أي: لو قال سليمان عليه السلام: إن شاء الله، كما نبّهه عليه صاحبه (لَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا فَارِسًا، يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ") وفي رواية هشام بن حجير التالية: "ولو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دَرَكًا له في حاجته وفي رواية ورقاء الآتية: "وايم الذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فُرسانًا أجمعون".

قال في "الفتح": ولا يلزم من إخباره -صلى الله عليه وسلم- بذلك في حقّ سليمان عليه السلام في هذه القصة أن يقع ذلك لكل من استثنى في أمنيته، بل في الاستثناء رَجاءُ الوقوع، وفي ترك الاستثناء خشية عدم الوقوع، وبهذا يجاب عن قول موسى


(١) "الفتح" ٨/ ٣٧ - ٣٨، كتاب "أحاديث الأنبياء" رقم (٣٤٢٣).
(٢) "المفهم" ٤/ ٦٣٥ - ٦٣٦.
(٣) "الفتح" ٨/ ٣٩.