للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حصين؛ أي: خطب أهل البصرة، ولم يدرك ثابت خطبة عمران المذكورة، فَيَحْتَمِل أن يكون زهدم دخل، فجرى له ما ذُكر، وغاية ما فيه أنه أبهم نفسه، ولا عجب فيه، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ رحمه الله، وهو بحث لا بأس فيه، وإن كان فيه نوع تكلّف، والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ) أبو موسى -رضي الله عنه- (لَهُ)؛ أي: لهذا الرجل الداخل عليه (هَلُمَّ)؛ أي: احضر، قال الفيّوميّ رحمه الله: هَلُمَّ كلمة بمعنى الدعاء إلى الشيء، كما يقال: تَعَال، قال الخليل: أصله: لُمَّ، من الضم والجمع، ومنه: لَمَّ الله شَعْثَهُ، وكأن المنادِي أراد: لُمَّ نفسَك إلينا، و"هَا" للتّنبيه، وحُذِفت الألف تخفيفًا؛ لكثرة الاستعمال، وجُعلا اسمًا واحدًا، وقيل: أصلها: هَلْ أُمَّ؛ أي: قُصِد، فنُقِلت حركة الهمزة إلى اللام، وسقطت، ثم جُعلا كلمة واحدة للدعاء، وأهل الحجاز ينادون بها بلفظ واحد للمذكر، والمؤنث، والمفرد، والجمع، وعليه قوله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: ١٨]، وفي لغة نجد تَلحقها الضمائرُ، وتُطَابَقُ، فيقال: هَلُمِّي، وهَلُمَّا، وهَلُمُّوا، وهَلْمُمْنَ؛ لأنهم يجعلونها فعلًا، فيلحقونها الضمائر، كما يلحقونها قُمْ، وقوما، وقوموا، وقمن، وقال أبو زيد: استعمالها بلفظ واحد للجميع من لغة عُقيل، وعليه قيسٌ بعدُ، وإلحاق الضمائر من لغة بني تميم، وعليه أكثر العرب، وتستعمل لازمة، نحو: {هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: ١٨]؛ أي: أقبل، ومتعدية، نحو {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} [الأنعام: ١٥٠]؛ أي: أحضروهم. انتهى (١).

(فَتَلَكَّأَ)؛ أي: أبطأ، وتأخّر عن الحضور، قال في "القاموس": وتلكّأَ عليه: اعتَلَّ، وعنه: أبطأ. انتهى (٢). (فَقَالَ) أبو موسى -رضي الله عنه- (هَلُمَّ، فَإنِّي) الفاء للتعليل؛ أي: إنما أمرتك بذلك لأني (قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ مِنْهُ)؛ أي: من لحم الدجاج، وفيه إباحة لحم الدجاج، وملاذّ الأطعمة، قاله النوويّ رحمه الله، وقال في "الفتح": ويستفاد من الحديث جواز أكل الطيبات على الموائد، واستخدام الكبير من يباشر له نقل طعامه، ووضعه بين يديه، قال القرطبيّ: ولا يناقض ذلك الزهد، ولا ينقصه؛ خلافًا لبعض المتقشِّفة.


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦٣٩ - ٦٤٠.
(٢) "القاموس المحيط" ص ١١٨٥.