يستصبح منها مصباحًا، أو يدني منها ضِغْثًا يُشعل بها؛ لأن ذلك لا ينقص من عينها شيئًا. انتهى.
وقال صاحب "العدة" من الشافعيّة: لو أضرم نارًا في حطب مباح بالصحراء، لم يكن له منع من ينتفع بتلك النار، فلو جمع الحطب ملكه، فإذا أضرم فيه النار، كان له منع غيره منها. انتهى.
وأما الماء فالمراد به هنا المياه المباحة النابعة في موضع لا يختص بأحد، ولا صنع للآدميين في إنباعها وإجرائها، كالفرات، وجيحون، والنيل، وسائر أودية العالم، والعيون في الجبال، وسيول الأمطار، فالناس فيها سواء، لكن من أخذ منها شيئًا في إناء، أو جعله في حوض ملكه، ولم يكن لغيره مزاحمته فيه.
وقوله في حديث ابن عباس:"وثمنه حرام" أي: المذكور فأعاد الضمير مفردًا، وإن تقدم ذكر ثلاث، وإنما كان ثمنه حرامًا؛ لأنه غير مملوك فلا يجوز بيعه، وحَمْلُ أبي سعيد وهو الأشجّ له على الجاري هو الغالب، فلو كان الماء المباح غير جار، كماء السيول الراكدة في المستنقعات، فحكمها كذلك، والله أعلم. انتهى كلام وليّ الدين - رحمه الله - (١)، وهو بحث نفيسُ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في حكم بيع ضِراب الْفَحْل:
قال النووي في "شرح مسلم": اختَلَف العلماء في إجارة الفحل وغيره من الدواب؛ للضراب، فقال الشافعيّ، وأبو حنيفة، وأبو ثور، وآخرون: استئجاره لذلك باطل، وحرام، ولا يُستَحَقُّ فيه عِوَضٌ، ولو أنزاه المستأجر لا يلزمه المسمى من أجره، ولا أجرة مثل، ولا شيء من الأموال، قالوا: لأنه غرر مجهول، وغير مقدور على تسليمه.
وقال جماعة من الصحابة، والتابعين، ومالك، وآخرون: يجوز استئجاره لضرب مدة معلومة، أو لضربات معلومة؛ لأن الحاجة تدعو اليه، وهي منفعة مقصودة، وحملوا النهي على التنزيه، والحثِّ على مكارم الأخلاق، كما حملوا