يطعه أبو بكر، فذكر ذلك عمر لمعاذ، فقال معاذ: إنما أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليجبرني، ولست بفاعل، ثم لقي معاذٌ عمرَ، فقال: قد أطعتك، وأنا فاعل ما أمرتني به، إني أريت في المنام أني في حَوْمة ماء، قد خَشِيت الغرقَ، فخلَّصتني منه يا عمر، فأتى معاذ أبا بكر، فذكر ذلك له، وحَلَف له أنه لم يكتمه شيئًا حتى بَيَّن له سوطه، فقال أبو بكر: لا والله لا آخذه منك، قد وهبته لك، قال عمر: هذا حين طاب، وحَلَّ، قال: فخرج معاذ عند ذلك إلى الشام.
قال معمر (١): فأخبرني رجل من قريش، قال: سمعت الزهري يقول: لما باع النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - مال معاذ أوقفه للناس، فقال:"من باع هذا شيئًا فهو باطل". انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: كون الرجل المبهم في هذا الحديث هو معاذ بن جبل - رضي الله عنه - محلّ نظر؛ فإن سياق القصّة بعيد عن سياق حديث الباب، فتأمل، والله تعالى أعلم.
(في عَهْدِ) أي: زمان (رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، في ثِمَارٍ) متعلِّق بـ "أُصيب"(ابْتَاعَهَا) أي: اشتراها، يعني أنه لحقه خسران، بسبب إصابة آفة ثمارًا اشتراها، ولم ينقُد ثمنها (فَكَثُرَ) بضم الثاء المثلّثة (دَيْنُهُ) أي فطالبه البائع بثمن تلك الثمرة، وكذا طالبه بقيّة غرمائه، وليس له مال يؤديه (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) لأصحابه، أو لقوم ذلك الرجل: ("تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ) أي: على الرجل المدين {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}[يوسف: ٨٨](فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ) فيه أن المسألة تحلّ لمثله (فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ) أي: ما تصدّقوا عليه (وَفَاءَ دَينِهِ) أي: لكثرته (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) أي: لغرمائه: ("خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ) أي: مما تصدّق الناس عليه (وَلَيْسَ لَكُمْ اِلا ذَلِكَ") أي: إلا أخْذ ما وجدتم، والمعنى: أنه ليس لكم مطالبته بالباقي، بل الواجب عليكم مسامحته، أو إنظاره إلى الميسرة، كما قال - عَزَّ وجَلَّ -: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} الآية [البقرة: ٢٨٠].
وقال السنديّ - رَحِمَهُ الله - في حاشيته على النسائيّ": ظاهره أنه وضع الجائح، بمعنى أنه لا يؤخذ منه ما عجز عنه.
(١) وهذا الإسناد فيه مبهم، وفيه إرسال أيضًا، فتنبّه.