للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فأما طاوس والحسن، فقد ذكرنا حجتهما، وأما الشافعيّ، وموافقوه، فاعتمدوا بصريح رواية رافع بن خَدِيج، وثابت بن الضحاك السابقين، في جواز الإجارة بالذهب والفضة، ونحوهما، وتأولوا أحاديث النهي تأويلين:

[أحدهما]: حملها على إجارتها بما على الماذيانات، أو بزرع قطعة معينة، أو بالثلث والربع، ونحو ذلك، كما فسّره الرواة في هذه الأحاديث التي ذكرناها.

[والثاني]: حملها على كراهة التنزيه، والإرشاد إلى إعارتها، كما نَهَى عن بيع الغرر نَهي تنزيه (١)، بل يتواهبونه، ونحو ذلك، وهذان التأويلان لا بُدّ منهما، أو من أحدهما للجمع بين الأحاديث، وقد أشار إلى هذا التأويل الثاني البخاريّ وغيره، ومعناه عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٢).

وقال ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: المزارعة جائزة في قول كثير من أهل العلم، قال البخاريّ: قال أبو جعفر: ما بالمدينة أهل بيت إلا ويزرعون على الثلث والربع، وزارع عليّ، وسعد، وابن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم، وعروة، وآل أبي بكر، وآل عليّ، وابن سيرين. وممن رأى ذلك سعيد بن المسيّب، وطاوش، وعبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، والزهريّ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وابنه، وأبو يوسف، ومحمد، وروي ذلك عن معاذ، والحسن، وعبد الرحمن بن يزيد، قال البخاريّ: وعامَل عمر الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده، فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر، فلهم كذا.

وكرهها عكرمة، ومجاهد، والنخعيّ، وأبو حنيفة. ورُوي عن ابن عبّاس الأمران جميعًا.

وأجازها الشافعيّ في الأرض بين النخيل، إذا كان بياض الأرض أقلّ، فإن كان أكثر فعلى وجهين، ومنعها في الأرض البيضاء؛ لما رَوَى رافع بن


(١) قوله في بيع الغرر: "نهي تنزيه" فيه نظر، بل الصواب أنه نهي تحريم، كما مضى في محلّه، فتنبّه.
(٢) "شرح النوويّ" ١٠/ ١٩٨ - ١٩٩.