للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإنْ تَعْجَب فعجبٌ ما أطال به صاحب، تكملة فتح الملهم" نفسه في شرحه مؤيّدًا مذهبه الحنفيّ، قاتل الله التعصّب، والله المستعان.

قال القرطبيّ رحمه الله بعد أن ذكر مذهب الحنفيّة في تأويل أحاديث العرايا، ما نصّه: وهذا المذهب إبطال لحديث العريّة من أصله، فيجب اطّراحه، وذلك أن حديث العريّة تضمّن أنه بيعٌ مرخّصٌ فيه في مقدار مخصوص، وأبو حنيفة يُلغي هذه القيود الشرعيّة. انتهى (١).

والحاصل أن الواجب هو الأخذ بما دلّت عليه النصوص الصريحة الصحيحة، وإلغاء ما خالفها من الآراء، التي لا تعتمد إلا على الأدلة القياسيّة، ولقد تكرّر إنشاد قول القائل:

إِذَا جَالَتْ خُيُولُ النَّصِّ يَوْمًا … تُجَارِي فِي مَيَادِينِ الْكِفَاحِ

غَدَتْ شُبَهُ الْقِيَاسِيِّينَ صَرْعَى … تَطِيرُ رُؤُوسُهُنَ مَعَ الرِّيَاحِ

فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): أنه اختَلَف العلماء في أن هذه الرخصة هل يُقتَصَر بها على مورد النصّ، وهو النخل، أم يتعدى إلى غيره؟ على أقوال:

[أحدها]: اختصاصها بالنخل، وهذا قول الظاهرية، على قاعدتهم في ترك القياس.

[الثاني]: تعدّيها إلى العنب، بجامع ما اشتركا فيه من إمكان الخرص، فإن ثمرتهما متميزة مجموعة في عناقيدها، بخلاف سائر الثمار، فإنها متفرقة مستترة بالأوراق، لا يتأتى خرصها، وبهذا قال الشافعيّ.

[الثالث]: تعديها إلى كل ما ييبس ويُدَّخَر من الثمار، وهذا هو المشهور عند المالكية، وجعلوا ذلك علة الحكم في محل النصّ، وأناطوا الحكم به وجودًا وعدمًا، حتى قالوا: لو كان البسر مما لا يتتمر، والعنب مما لا يتزبب لم يجز شراء العرية منه بخرصها، بل يخرج عن محل الرخصة؛ لعدم العلة.

[الرابع]: تعدّيها إلى كل ثمرة مُدَّخَرة، وغير مُدَّخرة، وهذا قول محمد بن


(١) "المفهم" ٤/ ٣٩٤.