حديث غيره. وحكى الطحاويّ عن عيسى بن أبان، من أصحابهم: أن معنى الرخصة، أن الذي وُهِبت له العرية لم يملكها؛ لأن الهبة لا تُملك إلا بالقبض، فلمّا جاز له أن يُعطي بدلها تمرًا، وهو لم يملك المبدَل منه، حتى يستحق البدل، كان ذلك مستثنى، وكان رخصة، وقال الطحاوي: بل معنى الرخصة فيه: أن المرء مأمور بإمضاء ما وعد به، ويعطي بدله، ولو لم يكن واجبًا عليه، فلما أُذن له أن يحبس ما وعد به، ويعطي بدلًا، ولا يكون في حكم من أَخلَف وعده، ظهر بذلك معنى الرخصة، واحتج لمذهبه بأشياء، تَدُلُّ على أن العرية العطية، ولا حجة في شيء منها؛ لأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية، أن لا تُطلق العرية شرعًا على صور أخرى.
قال ابن المنذر: الذي رَخّص في العرية، هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر، في لفظ واحد، من رواية جماعة من الصحابة، قال: ونظير ذلك: الإذنُ في السَّلَم، مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبع ما ليس عندك"، قال: فمن أجاز السلم، مع كونه مستثنى من بيع ما ليس عندك، ومنع العرية، مع كونها مستثناة من بيع الثمر بالتمر، فقد تناقض، وأما حملهم الرخصة على الهبة، فبعيد مع تصريح الحديث بالبيع، واستثناء العرايا منه، فلو كان المراد الهبة، لما استثنيت العرية من البيع، ولأنه عبّر بالرخصة، والرخصة لا تكون إلا بعد ممنوع، والمنع إنما كان في البيع، لا الهبة، وبأن الرخصة قُيِّدت بخمسة أوسق، أو ما دونها، والهبة لا تتقيد؛ لأنهم لم يفرقوا في الرجوع في الهبة، بين ذي رحم وغيره، وبأنه أَبُو كان الرجوع جائزًا، فليس إعطاؤه بالتمر بدل الرطب، بل هو تجديد هبة أخرى، فإن الرجوع لا يجوز، فلا يصح تأويلهم. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن لك مما ذُكِر أن الحق هو ما عليه الجمهور من جواز بيع العرايا؛ لوضوح أدلّته، وتبين لك أيضًا أن التأويلات التي ذكرها الحنفيّة لأحاديث العرايا كلها باطلة؛ لمعارضتها النصوص الصريحة.