للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يبيعه شيئًا آخر، أو يُكريه داره، أو نحو ذلك، فهذا شرط باطلٌ، مبطلٌ للعقد، هكذا قال الجمهور، وقال أحمد: لا يبطله شرط واحد، وإنما يبطله شرطان، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه اللهُ (١).

وقال القرطبيّ رحمه اللهُ: قوله: "ليس في كتاب الله"؛ أي: ليس مشروعًا في كتاب الله تأصيلًا، ولا تفصيلًا، ومعنى هذا أنّ من الأحكام، والشروط ما يؤخذ تفصيلها من كتاب الله؛ كالوضوء، وكونه شرطًا في صحّة الصلاة، ومنها ما يوجد فيه أصله؛ كالصلاة، والزكاة، فإنهما فيه مجملتان، ومنها ما يوجد أصل أصله، وهو كدلالة الكتاب على أصليّة السنّة، والإجماع، والقياس، فكلّ ما يُقتبسُ من هذه الأصول تفصيلًا فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلًا.

وعلى هذا: فمعنى الحديث أن ما كان من الشروط مما لم يدلّ على صحّته دليلٌ شرعيّ كان باطلًا؛ أي: فاسدًا مردودًا، وهذا كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ"، متّفقٌ عليه.

وفي هذا من الفقه ما يدلّ على أن العقود الشرعيّة إذا قارنها شرطٌ فاسدٌ بطل ذلك الشرط خاصّةً، وصحّ العقد، لكن هذا إنما يكون إذا كان ذلك الشرط خارجًا عن أركان العقد؛ كاشتراط الولاء في الكتابة، واشتراط السَّلَف في البيع، فلو كان ذلك الشرط مُخلًّا بركن من أركان العقد، أو مقصودًا، فُسخ العقد والشرط. انتهى كلام القرطبيّ رحمه اللهُ (٢).

(فَلَيْسَ لَهُ) أي: ليس جائزًا ذلك الشرط الذي ليس في كتاب الله للذي شرطه (وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ) قال النوويّ رحمه اللهُ: معنى قوله: "وإن شرط مائة شرط" أي: لو شرط مائة مرّة توكيدًا، فهو باطلٌ، وإنما حُمِلَ على التأكيد؛ لأن العموم في قوله: "كلّ شرط"، وفي قوله: "من اشترط شرطًا" دالّ على بطلان جميع الشروط المذكورة، فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة، فإنها لو زادت عليها كان الحكم كذلك لِمَا دلّت عليها الصيغة، نعم طريق أيمن، عن عائشة عند البخاريّ بلفظ: "فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: الولاء لمن أعتق، وإن اشترطوا مائة


(١) "شرح النوويّ" ١٠/ ١٤٢.
(٢) "المفهم" ٤/ ٣٢٦ - ٣٢٧.