للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وجاء في سبب غضبه منهنّ، وحلفه أن لا يدخل عليهنّ شهرًا قصة أخرى، فأخرج ابن سعد من طريق عمرة، عن عائشة، قالت: "أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدية، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها، فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها، فزادها مرّةً أخرى، فلم ترض، فقالت عائشة: لقد أَقْمَأَتْ وجهك (١)، ترد عليك الهدية؟ فقال: لأنتنّ أهون على الله من أن تقمئنني، لا أدخل عليكنّ شهرًا … " الحديث.

ومن طريق الزهريّ، عن عروة، عن عائشة نحوه، وفيه: "ذَبَحَ ذِبْحًا، فقسمه بين أزواجه، فأرسل إلى زينب بنصيبها، فردّته، فقال: زيدوها ثلاثًا، كلُّ ذلك تردّه"، فذكر نحوه.

وفيه قول آخر تقدّم لمسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: جاء أبو بكر، والناس جلوس بباب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يؤذن لأحد منهم، فأُذن لأبي بكر، فدخل، ثم جاء عمر، فاستأذن، فأُذن له، فوجد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جالسًا، وحوله نساؤه، فذكر الحديث، وفيه: "هنّ حولي كما ترى، يسألنني النفقة"، فقام أبو بكر إلى عائشة، وقام عمر إلى حفصة، ثم اعتزلهنّ شهرًا، فذكر نزول آية التخيير.

قال الحافظ رحمه الله: يَحْتَمِل أن يكون مجموع هذه الأشياء كان سببًا لاعتزالهنّ، وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -، وسعة صدره، وكثرة صفحه، وأن ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجِبه منهنّ - صلى الله عليه وسلم -، ورضي عنهنّ.

وقَصّر ابنُ الجوزيّ، فنسب قصة الذبح لابن حبيب بغير إسناد، وهي مسندة عند ابن سعد، وأبهم قصّة النفقة، وهي في "صحيح مسلم".

والراجح من الأقوال كلها قصة مارية؛ لاختصاص عائشة وحفصة بها، بخلاف العسل، فإنه اجتمع فيه جماعة منهنّ، كما تقدّم ذلك.

ويَحْتَمِل أن تكون الأسباب جميعها اجتمعت، فأشير إلى أهمها، ويؤيده شمول الحلف للجميع، ولو كان مَثَلًا في قصة مارية فقط لاختَصّ بحفصة وعائشة.

[تنبيه]: ومن اللطائف أن الحكمة في الشهر، مع أن مشروعية الهجر


(١) أي أذلّته، وصغّرته. "ق".