بالبناء للمجهول، ونائب فاعله قوله:(أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ) المراد: طعام الوليمة (فَلْيُجِبْ، فَإنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ") قال الحافظ وليّ الدين - رحمه الله -: استُدِلَّ بهذا الحديث على أنه لا يجب على المفطر الأكل، وهو أصح الوجهين عند الشافعية، وبه قال الحنابلة، والوجه الثاني لأصحابنا أنه يجب الأكل، واختاره النوويّ في "تصحيح التنبيه"، وصححه في "شرح مسلم"، في "الصيام"، وبه قال أهل الظاهر، ومنهم ابن حزم، وتوقف المالكية في ذلك، وعبارة ابن الحاجب في "مختصره": ووجوب أكل المفطر مُحْتَمِلٌ، وتمسك الذين أوجبوا بقوله في رواية عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: "فإن كان مفطرًا فلْيَطْعَم"، وكذا في حديث أبي هريرة: "فإن كان صائمًا فليصلّ، وإن كان مفطرًا فليَطعم"، وهو في "صحيح مسلم"، وحَمَلوا الأمر على الوجوب، وأجابوا عن حديث جابر هذا بأجوبة:
[أحدها]: قال ابن حزم: لم يذكر فيه أبو الزبير أنه سمعه من جابر (١)، ولا هو من رواية الليث عنه، فإنه أعلم له على ما سمعه منه، وليس هذا الحديث مما أعلم له عليه، فبطل الاحتجاج به.
[ثانيها]: قال ابن حزم أيضًا: ثم لو صح لكان الخبر الذي فيه إيجاب الأكل زائدًا على هذا، وزيادة العدل لا يَحِلّ تركها.
وتعقّبه وليّ الدين، فقال: ليس هذا صريحًا في إيجاب الأكل، فإن صيغة الأمر تَرِد للاستحباب، وأما التخيير الذي في حديث جابر، فإنه صريح في عدم الوجوب، فالأخذ به، وتأويل الأمر متعيّن، والله أعلم.
[ثالثها]: قال النوويّ: من أوجب الأكل تأوّل تلك الرواية على من كان صائمًا.
وأشار الحافظ العراقيّ إلى تأييد هذا التأويل بأن ابن ماجه، رَوَى حديث جابر هذا في الصوم، من نسخته، من رواية ابن جريج، عن أبي الزبير عنه، بلفظ: "مَن دُعِي إلى طعام، وهو صائم فليجب، فإن شاء طَعِمَ، وإن شاء
(١) سيأتي أنه صرّح بالسماع في رواية الطحاويّ في "مشكل الآثار"، فزال الطعن به، والحمد لله.