للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال: وفي الحضور فوائد أخرى، كالتبرك بالمدعوّ (١)، والتجمّل به، والانتفاع بإشارته، والصيانة عما لا يحصل له الصيانة لو لم يحضر، وفي الإخلال بالإجابة تفويت ذلك، ولا يخفى ما يقع للداعي من ذلك من التشويش.

قال: وعُرِف من قوله: "فليدع لهم" حصول المقصود من الإجابة بذلك، وأن المدعوّ لا يجب عليه الأكل، وهل يستحب له أن يفطر، إن كان صومه تطوعًا؟ قال أكثر الشافعية، وبعض الحنابلة: إن كان يشقّ على صاحب الدعوة صومه، فالأفضل الفطر، وإلا فالصوم، وأطلق الروياني، وابن الفراء استحباب الفطر، وهذا على رأي من يجوِّز الخروج من صوم النفل، وأما من يوجبه فلا يجوز عنده الفطر، كما في صوم الفرض، ويبعد إطلاق استحباب الفطر مع وجود الخلاف، ولا سيما إن كان وقت الإفطار قد قَرُب.

ويؤخذ من فعل ابن عمر أن الصوم ليس عذرًا في ترك الإجابة، ولا سيما مع ورود الأمر للصائم بالحضور، والدعاء، نعم لو اعتذر به المدعوّ، فقَبِل الداعي عذره؛ لكونه يشقّ عليه أن لا يأكل إذا حضر، أو لغير ذلك، كان ذلك عذرًا له في التأخر.

وفي حديث جابر - رضي الله عنه - الآتي: "إذا دُعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طَعِم، وإن شاء ترك"، فيؤخذ منه أن المفطر ولو حضر لا يجب عليه الأكل، وهو أصح الوجهين عند الشافعية.

وقال ابن الحاجب في "مختصره": ووجوب أكل المفطر مُحْتَمِلٌ، وصرح الحنابلة بعدم الوجوب، واختار النوويّ الوجوب، وبه قال أهل الظاهر، والحجة لهم قوله في إحدى روايات ابن عمر عند مسلم: "فإن كان مفطرًا فليَطعم"، قال النوويّ: وتُحْمَل رواية جابر على من كان صائمًا، ويؤيده رواية ابن ماجه فيه بلفظ: "من دُعي إلى طعام، وهو صائم فليجب، فإن شاء طَعِم، وإن شاء ترك"، ويتعيّن حمله على من كان صائمًا نفلًا، ويكون فيه حجة لمن استحب له أن يخرج من صيامه لذلك، ويؤيده ما


(١) أي بدعائه، وذكره لله تعالى.