قال الجامع عفا الله عنه: يتبيّن من أحاديث الباب وغيرها أن الحقّ قول من قال بوجوب الإجابة مطلقًا، عُرسًا كان، أو غيرها؛ فقد صرّح - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"إذا دعا أحدكم أخاه، فليُجب، عرسًا كان، أو نحوه"، وفي لفظ:"من دُعي إلى عُرس، أو نحوه، فليُجِب"، فماذا بعد هذا التصريح؟ فتأمّل بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال وليّ الدين - رحمه الله -: إذا عدّينا الإيجاب، أو الاستحباب إلى سائر الولائم، فقال الشيخ تقيّ الدين في "شرح الإلمام": إن الأحاديث عامّة بالنسبة إلى أهل الفضل وغيرهم، والمنقول عن مالك: أنه كره لأهل الفضل أن يجيبوا كل من دعاهم، قال القاضي عياض: وتأوله بعض أصحابنا على غير الوليمة، قال: وتأوله بعضهم على غير أسباب السرور المتقدمة مما يُصنع تفضلًا، وقال ابن حبيب: قال مطرِّف، وابن الماجشون: وكلُّ ما لزم القاضي من النزاهات في جميع الأشياء، فهو به أجمل وأولى، وإنا لنحبّ هذا لذي المروءة والهدى أن لا يجيب إلا في الوليمة، إلا أن يكون لأخ في الله، أو خاصة أهله، أو ذوي قرابته، فلا بأس بذلك.
قال الشيخ تقيّ الدين: وهذا تخصيص آخر، ومقتضاه أضعف من الأول، يعني استثناء القاضي، قال: وظاهر الحديث يقتضي الإجابة، والمروءةُ والفضلُ والهدى في اتباع ما دلّ عليه الشرع، ثم قال: نعم إذا تحققت مفسدة راجحة، فقد يُجعل ذلك مخصصًا. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد الشيخ تقيّ الدين ابن دقيق العيد - رحمه الله - في تعقّبه على ما قاله المالكيّة من تخصيص أهل الفضل بعدم الإجابة؛ لأن ذلك معارض للنصوص الصحيحة الكثيرة التي أمرت عموم المسلمين، أهل الفضل والمروءة، وغيرهم بإجابة الدعوة، بل أهل الفضل هم أحقّ الناس باتّباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو - صلى الله عليه وسلم - سيّد أهل الفضل والمروءة، وقد أمر بذلك، وفعله بنفسه، فلا كلام معه - صلى الله عليه وسلم -؛ قال الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ