وأما الكراهة في اليوم الثالث، فأطلقه بعضهم؛ لظاهر الخبر، وقال العمرانيّ: إنما تكره إذا كان المدعوّ في الثالث هو المدعوّ في الأول، وكذا صوَّره الرويانيّ، واستبعده بعض المتأخرين، وليس ببعيد؛ لأن إطلاق كونه رياء وسمعة يُشعر بأن ذلك صنع للمباهاة، وإذا كثر الناس، فدعا في كل يوم فرقةً لم يكن في ذلك مباهاةٌ غالبًا.
وإلى ما جنح إليه البخاريّ ذهب المالكيّة، قال عياضٌ: استحبّ أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعًا، قال: وقال بعضهم: محلّه إذا دعا في كلّ يوم من لم يدع قبله، ولم يُكرّر عليهم، وهذا شبيهٌ بما تقدّم عن الروياني، وإذا حملنا الأمر في كراهة الثالث على ما إذا كان هناك رياء وسمعةٌ، ومباهاةٌ كان الرابع، وما بعده كذلك، فيمكن حمل ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الأمن من ذلك، وإنما أطلق ذلك على الثالث لكونه الغالب، والله أعلم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه المالكيّة، وهو الذي مال إليه البخاريّ، من جواز كون الوليمة أسبوعًا لمن تيسّر له هو الأرجح؛ إن خلا عن الرياء والسمعة؛ لإطلاق النصوص؛ وأما الأحاديث التي احتج القائلون بالكراهة فيما بعد اليوم الثاني، فقد علمت كونها كلها ضعافًا، لا ينبغي أن تُذكر لمعارضة إطلاق الأحاديث الصحاح بها، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة العاشرة): في اختلاف أهل العلم في وجوب إجابة دعوة الوليمة غير العُرْس:
قال وليّ الدين - رحمه الله -: استُدِلّ بالحديث على وجوب الإجابة في وليمة غير العرس؛ تمسكًا بلفظ الوليمة، ويؤيد ذلك قوله في بعض الروايات:"إذا دعا أحدكم أخاه فليجب، عُرْسًا كان أو نحوه"، وقوله في رواية أخرى:"من دُعِي إلى عُرس أو نحوه، فليجب"، وكان عبد الله بن عمر راوي الحديث يأتي الدعوة في العُرس، وغير الْعُرس، وهو صائم، وهو في "الصحيحين".