وقوله:(الْكِنْدِيَّ) قال النوويّ رحمه الله تعالى: فيه إشكال من حيث إن أهل النسب قالوا: إنه بَهْرَانيّ صُلْبِيَّةً من بَهْراء بن الْحَاف - بالحاء المهملة، وبالفاء - ابن قُضَاعة، لا خلاف بينهم في هذا، وممن نقل الإجماع عليه القاضي عياض وغيره - رحمهم الله تعالى -.
وجوابه: أن أحمد بن صالح الإمام الحافظ المصريَّ، كاتب الليث بن سعد - رحمه الله تعالى - قال: إن والد المقداد حالف كِنْدَة، فنسب إليها، ورَوَينا عن ابن شِمَاسة، عن سفيان، عن صُهَابة - بضم الصاد المهملة، وتخفيف الهاء، وبالباء الموحدة - الْمَهْريّ، قال: كنت صاحب المقداد بن الأسود في الجاهلية، وكان رجلًا من بَهْراء، فأصاب فيهم دمًا، فَهَرَب إلى كِندة، فحالفهم، ثم أصاب فيهم دمًا، فَهَرَب إلى مكة، فحالف الأسود بن عبد يغوث، فعلى هذا تَصِحُّ نسبته إلى بهراء؛ لكونه الأصل، وكذلك إلى قُضَاعة، وتصحّ نسبته إلى كندة؛ لِحِلْفه، أو لِحِلف أبيه، وتصح إلى زُهْرة؛ لِحِلفه مع الأسود.
انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى، وهو تحقيق نفيس، والله تعالى أعلم.
وقوله:(وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ) أي لمحالفته الأسودَ بن عبد يغوث الزهريَّ، فقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن الأسود حالفه أيضًا، مع تبنيه إياه، كما أسلفنا هذا كلّه قريبًا.
فأعاد لفظة "أَنَّهُ"؛ لطول الكلام، ولو لم يذكرها لكان صحيحًا، بل هو الأصل، ولكن لَمّا طال الكلام جاز، أو حَسُنَ ذكرها، ونظيره في كلام العرب كثيرٌ، وقد جاء مثله في القرآن العزيز، والأحاديث الشريفة، ومما جاء في القرآن قوله عز وجل حكايةً عن الكفار: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)} [المؤمنون: ٣٥]، فأعاد {أَنَّكُمْ}؛ للطول، ومثله قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا} [البقرة: ٨٩، ٩٠]، فأعاد {فَلَمَّا جَاءَهُمْ}، وقد تقدّم تحقيق نظير هذه المسألة، فلا تكن من الغافلين.
[تنبيه]: رواية يونس التي أحالها المصنف على رواية الليث ساقها