كنانة بن الربيع، وهو وأهله من بني الْحُقيق كانوا صالحوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشرط عليهم أن لا يكتموا كنزًا، فإن كتموه فلا ذمّة لهم، وسألهم عن كنز حُيَيِّ بن أخطب، فكتموه، فقالوا: أذهبته النفقات، ثم عَثَر عليه عندهم، فانتقض عهدهم، فسباهم، وصفية من سبيهم، فهي فيء، لا يخمَّس، بل يفعل فيه الإمام ما رأى.
وتعقّبه العينيّ بأن هذا تفريع على مذهبه أن الفيء لا يخمس، ومذهب غيره أنه يخمس. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: الذي قاله القاضي عياض: من أنها كانت فيئًا، فكان أمرها إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أقرب، وأرجح؛ إذ به يزول ما تقدّم من الإشكال، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
وقال أبو العباس القرطبيّ - بعد ذكر نحو ما تقدّم -: وحَذَارِ من أن يَظُنّ جاهل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الذي حمله على ذلك غلبة الشهوة النفسانيّة، وإيثار اللذّة الجسمانيّة، فإن ذلك اعتقادٌ يجرّه جهل بحال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وبأنه معصوم من مثل ذلك، إذ قد أعانه الله تعالى على شيطانه، فأسلم، فلا يأمره إلا بخير، وقد نزع الله من قلبه حظّ الشيطان، حيث شقّ قلبه، فأخرجه منه، وطهّره، وملأه حكمة وإيمانًا، وإنما الباعث له على اختيار ما اختاره من أزواجه ما ذكرتُ لك، وما في معناه. انتهى (١).
(قَالَ) أنس (وَأَعْتَقَهَا)؛ أي: أعتق - صلى الله عليه وسلم - صفيّة (وَتَزَوَّجَهَا) قال عبد العزيز (فَقَالَ لَهُ)؛ أي: لأنس (ثَابِتٌ) البنانيّ (يَا أَبَا حَمْزَةَ) كنية أنس - رضي الله عنه - (مَا أَصْدَقَهَا؟)"ما" استفهاميّة؛ أي: أيَّ شيء جعل لها صداقًا لما تزوّجها؟ (قَالَ) أنس (نَفْسَهَا)؛ أي: جعل مهرها نفسها، ثم فسّره بقوله:(أَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ) وفي رواية في "الصحيح": "فخرج بها حتى إذا بلغ سدّ الرَّوْحاء"، و"السدّ" بفتح السين وضمّها، وهو جبل الرَّوحاء، وهي قرية جامعة من عمل الْفُرْع لمزينة، على نحو أربعين ميلًا من المدينة، أو نحوها. و"الرَّوحاء" بفتح الراء، والحاء المهملة ممدود. وفي رواية: "أقام عليها بطريق