قال: فأما رواية يحيى، فأخرجها أحمد، عن الحسن بن موسى، عن شيبان النحويّ، عنه، ولم أجد عنه فيه اختلافًا، إلا أن لفظه:"أن تسافر يومًا إلا مع ذي محرم"، ويُحْمَل قوله:"يومًا" على أن المراد به اليوم بليلته، فيوافق رواية ابن أبي ذئب.
وأما رواية سهيل، فذكر ابن عبد البر أنه اضطُرِب في إسنادها ومتنها، وأخرجه ابن خزيمة من طريق خالد الواسطيّ، وحماد بن سلمة، وأخرجه أبو داود، وابن حبان، والحاكم، من طريق جرير، كلاهما عن سهيل بن أبي صالح، عن سعيد، عن أبي هريرة، كما علَّقه البخاريّ، إلا أن جريرًا قال في روايته:"بَرِيدًا" بدل "يومًا"، وقال بشر بن المفضل، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أبدل سعيدًا بأبي صالح، وخالف في اللفظ أيضًا، فقال:"تسافر ثلاثًا"، أخرجه مسلم.
ويَحْتَمِل أن يكون الحديثان معًا عند سهيل، ومن ثَمَّ صحح ابن حبان الطريقين عنه، لكن المحفوظ عن أبي صالح، عن أبي سعيد، كما تقدمت الإشارة إليه.
وأما رواية مالك فهي في "الموطأ"، كما قال البخاريّ، وأخرجها مسلم، وأبو داود، وغيرهما، وهو المشهور عنه، ورواها بشر بن عمر الزهرانيّ عنه، فقال: عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، أخرجه أبو داود، والترمذيّ، وأبو عوانة، وابن خزيمة من طريقه، وقال ابن خزيمة: إنه تفرد به عن مالك، وفيه نظرٌ؛ لأن الدارقطنيّ أخرجه في "الغرائب" من رواية إسحاق بن محمد الفرويّ، عن مالك كذلك، وأخرجه الإسماعيليّ، من طريق الوليد بن مسلم، عن مالك، والمحفوظ عن مالك ليس فيه قوله:"عن أبيه"، والله أعلم. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله في رواية مالك: "وأخرجها مسلم" يقتضي أن رواية مالك عند مسلم بإسقاط "عن أبيه"، لكن الموجود في النسخ عندنا بإثباتها، كما سبق في كلام القاضي عياض، والنوويّ، فتنبّه.
والذي يظهر لي أن هذا الحديث مما سمعه سعيد المقبريّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، وسمعه أيضًا عن أبي هريرة، فكان يحدّث بالوجهين، قال الإمام ابن حبّان -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيحه": سمع هذا الخبرَ سعيدٌ المقبريّ عن أبي هريرة،