٢ - (ومنها): إظهار الشكر لله تعالى في المحلّ الذي كان معدًّا للشرّ والشرك والضلال، قال القرطبيّ رحمه الله: نزوله -صلى الله عليه وسلم- بخيف بني كنانة إنما كان شكرًا لله تعالى على ما أظهره على عدوّه المناكد له في ذلك الموضع، وإظهارًا لِمَا صدقه الله تعالى من وعده في قوله:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} الآية [الفتح: ٢٧]. انتهى (١).
٣ - (ومنها): أنه ينبغي إذا أراد أن يفعل شيئًا في المستقبل أن يقول: إن شاء الله؛ امتثالًا لأمر الله عز وجل نبيّه -صلى الله عليه وسلم- بذلك حيث قال: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} الآية [الكهف: ٢٣ - ٢٤].
٤ - (ومنها): بيان ما كانت عليه قريش من شدّة عداوة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكيدهم له، ومحاولتهم قتله، حتى يستريحوا من دعوته إلى الله تعالى، إلا أن الله تعالى أخزاهم، ونصره عليهم، قال الله تعالى:{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[يوسف: ٢١]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣)} [الصافات: ١٧١ - ١٧٣]، وقال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)} [غافر: ٥١]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في ذكر سبب قصّة تقاسم قريش وبني كنانة على بني هاشم وبني المطّلب:
(اعلم): أن سبب ذلك -كما قال ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، وغيرهما، من أصحاب المغازي-: لما رأت قريش أن الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة، قد نزلوا أرضًا أصابوا بها أمانًا، وأن عُمَر أسلم، وأن الإسلام فَشَا في القبائل، أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبلغ ذلك أبا طالب، فجمع بني هاشم، وبني المطلب، فأدخلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شِعْبهم، ومنعوه ممن أراد قتله، فأجابوه إلى ذلك، حتى كُفّارهم فعلوا ذلك حَمِيّةً على عادة الجاهلية، فلما رأت قريش ذلك أجمعوا أن يكتبوا بينهم وبين بني هاشم