للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يومئذ فعلناها (كَافِرٌ بِالْعُرُشِ) بضمّتين، ثم فسّره بقوله: (يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ) وهذا التفسير من مروان بن معاوية، ففي آخر الحديث عند أبي نعيم ما لفظه: "وقال مروان: يعني بيوت مكة". انتهى (١).

وقال النوويّ رحمه الله: أما "العُرُش" فبضم العين والراء، وهي بيوت مكة، كما فسره في الرواية، قال أبو عبيد: سُمِّيت بيوت مكة عُرُشًا؛ لأنها عِيدانٌ تُنْصَب، وتُظَلَّل بها، قال: ويقال لها أيضًا: عُرُوش بزيادة الواو، وواحدها عَرْشٌ، كفَلْس وفُلُوس، ومن قال: عُرُش، فواحدها عَرِيشٌ، كقَلِيب وقُلُب.

وفي حديث آخر أن ابن عمر -رضي الله عنه- كان إذا نظر إلى عُرُوش مكة قطع التلبية.

والعُرُش في غير هذا عِرْقٌ في أصل العُنُق، ومنه قول أبي جهل لابن مسعود يوم بدر: خذ سيفي، فاحتزّ به رأسي من عُرُشي (٢).

وأما قوله: "وهذا يومئذ كافر بالعُرُش": فالإشارة بـ"هذا" إلى معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-، وفي المراد بالكفر هنا وجهان:

أحدهما: ما قاله المازريّ وغيره: المراد: وهو مقيم في بيوت مكة، والمعنى أني سبقته إلى الإسلام، قال ثعلب: يقال اكتَفَر الرجل: إذا لَزِم الكُفُور، وهي القُرَى، وفي حديث ثوبان -رضي الله عنه- مرفوعًا: "لا تسكن الكُفُور، فإن ساكن الكُفُور كساكن القبور" (٣)؛ يعني القرى البعيدة عن الأمصار، وعن العلماء.

والوجه الثاني: المراد: الكفر بالله تعالى، والمراد: أنا تمتعنا، ومعاوية يومئذ كافر على دين الجاهلية، مقيم بمكة، وهذا اختيار القاضي عياض وغيره، وهو الصحيح المختار، والمراد بالمتعة العمرة التي كانت سنة سبع من الهجرة، وهي عمرة القضاء، وكان معاوية يومئذ كافرًا، وإنما أسلم بعد ذلك عام الفتح


(١) "المسند المستخرج على صحيح مسلم" ٣/ ٣٢٤.
(٢) "إكمال المعلم" ٤/ ٢٩٩.
(٣) أخرجه البخاريّ في "الأدب المفرد" من حديث ثوبان -رضي الله عنه- رقم (٥٧٩)، وحسّنه الشيخ الألبانيّ رحمه الله.