قال الحافظ: فأما تأويل الخطابيّ، فإنه قال: فعل أبي موسى يخالف فعل عليّ، وكأنه أراد بقوله: أهللت كإهلال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ أي كما يبيّنه لي، ويُعيّنه لي من أنواع ما يُحرِم به، فأمره أن يحلّ بعمل عمرة؛ لأنه لم يكن معه هديٌ.
وأما تأويل عياض، فقال: المراد بقوله: "فكنت أفتي الناس بالمتعة" أي بفسخ الحجّ إلى العمرة.
والحامل لهما على ذلك اعتقادهما أنه -صلى الله عليه وسلم- كان مفردًا، مع قوله:"لولا أن معي الهدي لأحللت"؛ أي فسخت الحج، وجعلته عمرة، فلهذا أمر أبا موسى بالتحلّل؛ لأنه لم يكن معه هديٌ، بخلاف عليّ.
قال عياض: وجمهور الأئمة على أن فسخ الحجّ إلى العمرة كان خاصًّا بالصحابة. انتهى.
وقال ابن المنيّر في "الحاشية": ظاهر كلام عمر التفريق بين ما دلّ عليه الكتاب، ودلّت عليه السنّة، وهذا التأويل يقتضي أنهما يرجعان إلى معنى واحد.
ثم أجاب بأنه لعله أراد إبطال وَهْم من توهّم أنه خالف السنّة، حيث منع من الفسخ، فبيّن أن الكتاب والسنة متوافقان على الأمر بالإتمام، وأن الفسخ كان خاصًّا بتلك السنة؛ لإبطال اعتقاد الجاهليّة أن العمرة لا تصحّ في أشهر الحجّ. انتهى.
وأما إذا قلنا: كان قارنًا، على ما هو الصحيح المختار، فالمعتمد ما ذكر النوويّ، والله أعلم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدم أن الصواب أن فسخ الحج إلى العمرة ليس خاصًا بتلك السنة، بل هو سنة مستمرة إلى يوم القيامة، كما بيّنه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.