للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال القرطبي - رَحِمَهُ اللهُ -: ووضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على وجه الفضل: إنما كان خوفًا من الفتنة عليه، وكونه - صلى الله عليه وسلم - لم ينهه عن ذلك ولم يزجره؛ دليل: على أنه لم يفعل محرمًا، وقال بعض مشايخنا: ستر الوجه عن النساء سُنَّة، وكان الحجاب على أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واجبًا. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قال القرطبي - رَحِمَهُ اللهُ -، والأوجه ما سبق عن النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -، فتأمّل، والله تعالى أعلم.

(فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ) بكسر الشين المعجمة؛ أي: الجانب (الْآخَرِ) أي: غير الجانب الذي صرفه منه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: (يَنْظُرُ) حال من الفضل (فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ) أي: من جهة الجانب الذي صرف منه وجه الفضل إلى الجهة الثانية التي ينظر منها مرّة أخرى (عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ) متعلّق بـ "حوّل"، وقوله: (يَصْرِفُ وَجْهَهُ) حال من "رسول الله"؛ أي: حال كونه - صلى الله عليه وسلم - صارفًا وجه الفضل (مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ) أي: من الجانب الثاني الذي ينظر فيه إليهنّ، والمراد أنه - صلى الله عليه وسلم - منعه من النظر إليهنّ مرّة ثانية من الجانب الثاني، وقوله: (يَنْظُرُ) حال أيضًا.

(حَتى أتى) غاية لدفعه - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: إلى أن أتى (بَطْنَ مُحَسِّرٍ) بضم الميم، وفتح الحاء، وكسر السين المشددة المهملتين، اختَلَفوا فيه، فقيل: هو واد بين مزدلفة ومنى، قال ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ -: ومُحَسِّرٌ بَرْزخ بين منى ومزدلفة، لا من هذه ولا من هذه، وقيل: ما صبّ منه في المزدلفة فهو منها، وما صبّ منه في منى فهو منها، وصوّبه بعضهم، وقد جاء في الحديث: "والمزدلفة كلها موقف، إلا بطن محسّر" (٢)، فيكون على هذا قد أطلق بطن محسّر، والمراد منه ما خرج من مزدلفة، وإطلاق اسم الكلّ على البعض جائزٌ مجازًا شائعًا.

وقال الطحاويّ: ليس وادي محسّر من منى، ولا من المزدلفة، فالاستثناء في قوله: "إلا بطن محسّر" منقطع.


(١) "المفهم" ٣/ ٣٣٩.
(٢) أخرجه مالك في "الموطّإ" مرفوعًا بلاغًا، ثم أخرجه موصولًا موقوفًا على ابن الزبير، وهو حديث صحيح، كما قال الشيخ الألبانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -.