ذلك، فليس بشيء؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - يترك الشيء خشية المشقّة على أمته أَبُو فعله، كما ندم على دخوله الكعبة لذلك، وأيضًا أنه لم يُنقل عنه أنه تردّد للطواف بالبيت بعد طوافه الأول للقدوم، ثم للإفاضة، ثم للوداع، فلم يثبت أنه كان يكثر الطوف غير هذا، فهل يكون هذا دليلًا على عدم تكرار الطواف بالبيت كلّ وقت؟ هذا مما لا يقوله أحد.
والحاصل أن الاعتمار بعد الحج مشروع للحجاج، كما فعلته عائشة - صلى الله عليه وسلم -، فإنها اعتمرت في شهر مرّتين، وكانت إذا جاءت للحج بعده - صلى الله عليه وسلم - فعلت مثل ذلك، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى وليّ التوفيق.
قال في "الفتح": واختَلَف السلف في جواز الاعتمار في السنة أكثر من مرة، فكرهه مالك، وخالفه مُطَرّف، وطائفة من أتباعه، وهو قول الجمهور، واستثنى أبو حنيفة يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، ووافقه أبو يوسف، إلا في يوم عرفة، واستثنى الشافعيّ البائت بمنى لرمي أيام التشريق، وفيه وجه اختاره بعض الشافعية فقال بالجواز مطلقًا، كقول الجمهور. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد عرفت آنفًا أن ما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
٩ - (ومنها): أن المتمتّع لا بد له من طوافين، وسعيين.
١٠ - (ومنها): أن القارن يطوف طوافًا واحدًا، وسعيًا واحدًا.
قال وليّ الدين رحمه الله: قولها: "وأما الذين كانوا جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا"، فيه دليل على أن القارن يكفيه طواف واحد عن طواف الركن، وأنه يقتصر على أفعال الحجّ، وتندرج أفعال العمرة كلها في أفعال الحجّ، وبهذا قال الشافعيّ رحمه الله، وهو محكيّ عن ابن عمر، وجابر، وعائشة، والحسن البصريّ، وسالم بن عبد الله بن عمر، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والزهريّ، وأبي جعفر، وعطاء، وطاوس، وكان يحلف بالله أنه لم