كتاب الله تعالى:{وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ}[هود: ٨١]، فإنه لا يصح أن يجعل {امْرَأَتَكَ} بدلًا من {أَحَدٌ} لأنها لم تَسْرِ معهم، فيتضمنها ضمير المخاطبين، وتكلَّف بعضهم بأنه وإن لم يُسْرَ بها لكنها شَعَرت بالعذاب فتبعتهم، ثم التفتت فهلكت، قال: وهذا على تقدير صحته لا يوجب دخولها في المخاطبين بقوله: {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ}، وهذا - والحمد لله - بَيِّنٌ، والاعتراف بصحّته متعيّنٌ.
وفي المبتدإ الثابت الخبر بعد "إلا" ما جاء في "جامع المسانيد" من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما للشياطين من سلاح أبلغ في الصالحين من النساء، إلا المتزوّجون، أولئك المطهّرون المبرّؤون من الخنا".
وجعل ابن خروف من هذا القبيل قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤)} [الغاشية: ٢٣، ٢٤].
ومن أمثلة المحذوف الخبر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت إلا الله"، رواه البخاريّ، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ أمتي مُعَافًى إلا المجاهرون"؛ أي: لكن المجاهرون بالمعاصي لا يُعَافَون، ومنه من كتاب الله تعالى قوله تعالى:{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}[البقرة: ٢٤٩] أي: لكن قليل منهم لم يشربوا.
قال: وللكوفيين في هذا الثاني مذهب آخر، وهو أن يجعلوا "إلا" حرف عطف، وما بعدها معطوفٌ على ما قبلها. انتهى (١).
قال الحافظ: وفي نسبة الكلام المذكور لعبد الله بن أبي قتادة دون أبي قتادة نظر، فإن سياق الحديث ظاهر في أنه قول أبي قتادة، حيث قال:"أن أباه أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج حاجًّا، فخرجوا معه، فصَرَف طائفةً منهم، فيهم أبو قتادة - إلى أن قال -: أحرموا كلهم إلا أبو قتادة"، وقول أبي قتادة: "فيهم