للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لحق أبو قتادة، وأصحابه بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأحرموا، إلا هو، فاستمرّ هو حلالًا؛ لأنه إما لم يجاوز الميقات، وإما لم يقصد العمرة، وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره الأثرم، قال: كنت أسمع أصحابنا يتعجّبون من هذا الحديث، ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات، وهو غير محرم؟ ولا يدرون ما وجهه. قال: حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد، فيها: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأحرمنا، فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة، وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعثه في وجه. . ." الحديث، قال: فإذًا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة.

قال الحافظ: وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، وليس كذلك - أي: لأن عامّة الروايات من حديث أبي قتادة على أن أبا قتادة خرج مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، وأن بعثه أبا قتادة ومن معه كان من الرَّوْحاء -.

ثم وجدت في "صحيح ابن حبّان"، والبزّار من طريق عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد، قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا قتادة على الصدقة، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه، وهم محرمون، حتى نزلوا بعسفان". فهذا سبب آخر، ويَحْتَمِل جمعهما.

والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخّر الإحرام لأنه لم يتحقّق أنه يدخل مكة، فساغ له التأخير.

وقد استدلّ بقصّة أبي قتادة على جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجًّا، ولا عمرة. وقيل: كانت هذه القصّة قبل أن يوقّت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المواقيت.

وأما قول عياض، ومن تبعه: إن أبا قتادة لم يكن خرج مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، وإنما بعثه أهل المدينة إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يعلمونه أن بعض العرب قصدوا الإغارة على المدينة، فهو ضعيف مخالف لما ثبت في هذه الطريق الصحيحة طريق عثمان بن موهب الآتية. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - (١).


(١) "الفتح" ٤/ ٤٩٢.