للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والمرسل إذا اعتضد يكون حجة، كما هو معلوم في مصطلح أهل الحديث.

وأما قوله: إنه - صلى الله عليه وسلم - أعمر عائشة من التنعيم تطييبًا لقلبها، فمما لا ينبغي لمثله أن يقوله، فهل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يطيّب قلبها بخلاف ما شرعه الله تعالى؟ كلّا، ثم كلّا، فلو لم يكن الاعتمار من التنعيم هو المشروعَ لَمَا أمرها به.

وحاصل أمر عائشة - رضي الله عنها -، أنها ممن شمله التوقيت المتقدّم؛ لأننا إن قلنا: إنها آفاقية، فميقاتها ذو الحليفة، وإن قلنا: إنها مكية - وهو الحقّ؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حتى أهل مكة من مكة" يشمل المقيم بها، والوارد إليها، بدليل أن الصحابة الذين فسخوا الحج بعمل العمرة من أهل المدينة أهلّوا من مكة بأمره - صلى الله عليه وسلم - فميقاتها مكة، فلما أمرها بالإحرام من التنعيم علمنا أن ميقات أهل مكة للعمرة هو الحلّ، وإنما لم نقل بتعيّن التنعيم ميقاتًا، لقول عائشة - رضي الله عنها -، كما رواه الطحاويّ، من طريق ابن أبي مليكة عنها، أنها قالت: "وكان أدنانا من الحرم التنعيم، فاعتمرت منه"، فدلّ على أن المقصود هو الخروج إلى الحلّ مطلقًا.

والحاصل أن ميقات أهل مكة للعمرة المفردة من التنعيم، أو غيره من الحلّ، لا يجوز غير ذلك، وأما المفرد بالحجّ، أو القارن، فميقاتهم مكة؛ عملًا بما صحّ لدينا من الأحاديث في كلّ ذلك، دون أن يكون هناك اختلاف بينها، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: اختلفوا هل يتعيّن التنعيم لمن اعتمر من مكة؟ قال الطحاويّ - رحمه الله -: ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن بمكة إلا التنعيم، ولا ينبغي مجاوزته، كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحجّ.

وخالفهم آخرون، فقالوا: ميقات العمرة الحلّ، وإنما أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عائشة بالإحرام من التنعيم؛ لأنه كان أقرب الحلّ من مكة، ثم روى من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة في حديثها، قال: "وكان أدنانا من الحرم التنعيم، فاعتمرت منه"، فثبت بذلك أن ميقات مكة للعمرة الحلّ، وأن التنعيم وغيره في ذلك سواء. ذكره في "الفتح" (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) "الفتح" ٤/ ٤٤٣.