بخلاف الحجّ، فإنه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة، فيجتمع له الحلّ والحرم، والعمرة بخلاف ذلك.
ومن أيّ الحلّ أحرم جاز، وإنما أعمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عائشة من التنعيم لأنه أقرب الحلّ إلى مكة. انتهى كلام ابن قدامة - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن ميقات أهل مكة للعمرة هو الحلّ، سواء كان التنعيم، أو غيره، فيكون معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حتى أهل مكة من مكة للحجّ والعمرة" محمول على الحج المفرد، والقران، لا على العمرة، بدليل عمرة عائشة - رضي الله عنها - من التنعيم؛ ولم يخالف في هذا أحد من أهل العلم.
وأما ما قاله الصنعاني - بعد أن نقل كلام المحبّ الطبريّ أنه لا يعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة في حقّ المكيّ -: ما حاصله جوابه أنه - صلى الله عليه وسلم - جعلها ميقاتًا لها بهذا الحديث، ثم ذكر أثر ابن عباس المتقدم، وقوله أيضًا:"من أراد من أهل مكة أن يعتمر خرج إلى التنعيم، ويجاوز الحرم"، قال: فأجاب عنه بأنها آثار موقوفة لا تقاوم المرفوع.
قال: وأما ما ثبت من أمره - صلى الله عليه وسلم - لعائشة بالخروج إلى التنعيم لتحرم بعمرة، فلم يُرد إلا تطييب قلبها بدخولها إلى مكة معتمرة كصواحباتها إلى آخر كلامه، فجوابه كما يلي:
أما قوله: جوابه أنه - صلى الله عليه وسلم - جعلها ميقاتًا إلخ، فجوابه نعم، إنه - صلى الله عليه وسلم - جعلها ميقاتًا للمفرد بالحج، وللقارن، وأما العمرة فجعل الحلّ ميقاتًا لها، بدليل حديث عائشة - رضي الله عنها -، يؤيد ذلك أثر ابن عباس - رضي الله عنهما -، وما أخرجه الفاكهيّ وغيره عن محمد بن سيرين، قال: بلغنا: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقّت لأهل مكة التنعيم"، وعن عطاء قال: من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها، فليخرج إلى التنعيم، أو إلى الجعرانة، فليُحرم منها.
وأثر ابن سيرين وإن كان مرسلًا إلا أنه اعتضد بقول ابن عباس، وبقول أهل العلم كافّة، كما تقدم عن المحبّ الطبريّ أنه لا يعلم في ذلك خلافًا،