للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

تفسّره الروايات الآتية (كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ") بفتح الراء، وتشديد الياء: فَعِيلة بمعنى مفعهولة، وهي ما يُرْمَى من الحيوان ذكرًا كان أو أنثى، والجمع رَمِيَّات، ورَمَايَا، مثلُ عطيّة وعَطَايا (١).

وقال النوويّ رحمه الله: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية وفي الرواية الأخرى: "يمرقون من الإسلام وفي الرواية الأخرى: "يمرقون من الدين"، قال القاضي عياض: معناه يخرجون منه خروج السهم إذا نَفَذ الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق به شيء منه.

قال: والدين هنا هو الإسلام، كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩]، وقال الخطابيّ: هو هنا الطاعة؛ أي من طاعة الإمام.

وفي هذه الأحاديث دليلٌ لمن يُكَفِّر الخوارج، قال القاضي عياض رحمه الله: قال المازريّ: اختَلَف العلماء في تكفير الخوارج، قال: وقد كادت هذه المسألة تكون أشدّ إشكالًا من سائر المسائل، ولقد رأيت أبا المعالي، وقد رَغِب إليه الفقيه عبد الحقّ -رحمهما الله تعالى- في الكلام عليها، فَرَهِبَ له من ذلك، واعتذر بأن الغلط فيها يصعب موقعه؛ لأن إدخال كافر في الملة، وإخراج مسلم منها عظيمٌ في الدين، وقد اضطرب فيها قول القاضي أبي بكر الباقلّانيّ، وناهيك به في علم الأصول، وأشار ابن الباقلانيّ إلى أنها من المعوصات؛ لأن القوم لم يُصَرِّحوا بالكفر، وإنما قالوا أقوالًا تؤدِّي إليه، وأنا أكشف لك نكتة الخلاف، وسبب الإشكال، وذلك أن المعتزليّ مثلًا يقول: إن الله تعالى عالم، ولكن لا علم له، وحيّ، ولا حياة له يوقع الالتباس في تكفيره؛ لأنّا علمنا من دين الأمة ضرورة أن من قال: إن الله تعالى ليس بحيّ، ولا عالم، كان كافرًا، وقامت الحجة على استحالة كون العالم لا علم له، فهل نقول: إن المعتزليّ إذا نفى العلم نَفَى أن يكون الله تعالى عالِمًا، وذلك كفر بالإجماع، ولا ينفعه اعترافه بأنه عالم، مع نفيه أصل العلم، أو نقول: قد اعترف بأن الله تعالى عالم، وإنكاره العلم لا يُكَفِّره، وإن كان يؤدي إلى أنه ليس بعالم، فهذا موضع الإشكال، هذا كلام المازريّ، ومذهب الشافعيّ،


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٤٠.