للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ففطمها عن ذلك، وترك ما يَرِيبه إلى ما لا يَرِيبه، ولأنه خاف أن يفعل خلاف ما قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قال: "لا أرزأ أحدًا بعدك".

وقوله: "فقال عمر -رضي الله عنه-: إني أشهدكم إلخ" إنما أشهد عمر -رضي الله عنه- على حكيم؛ لأنه خشي سوء التأويل، فأراد تبرئة ساحته بالإشهاد عليه، وأن أحدًا لا يستحق شيئًا من بيت المال إلا بعد أن يعطيه الإمام إياه، وفي "التوضيح": وأما قبل ذلك فليس بمستحقّ له، ولو كان مستحقًّا له لقضى عمر على حكيم بأخذه، ذلك يدلّ عليه قول الله تعالى حين ذكر قسم الصدقات، وفي أيّ الأقسام يُقْسَم أيضًا: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية [الحشر: ٧]، فإنما هو لمن أوتيه لا لغيره.

وإنما قال العلماء في إثبات الحقوق في بيت المال تشديدًا على غير المرضيّ من السلاطين؛ ليغلقوا باب الامتداد إلى أموال المسلمين، والتسبب إليها بالباطل، ويدلُّ على ذلك أن مَن سرق بيت المال يقطع، أو زنى بجارية من الفيء يُحَدّ، ولو استحَقَّ في بيت المال، أو في الفيء شيئًا عَلى الحقيقة قبل إعطاء السلطان له، لكانت شبهة تَدْرَأ الحدّ عنه.

قال العينيّ رحمه الله بعد نقله ما قاله في "التوضيح" ما نصّه: قلت: جمهور الأمة على أن للمسلمين حقًّا في بيت المال والفيء، ولكن الإمام يقسمه على اجتهاده، فعلى هذا لا يجب القطع ولا الحد للشبهة. انتهى (١)، وسيأتي تمام البحث في هذا في موضعه المناسب -إن شاء الله تعالى-.

وقوله: "حتى تُوُفّي" زاد إسحاق ابن راهويه في "مسنده" من طريق معمر بن عبد الله بن عروة مرسلًا: "أنه ما أخذ من أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا معاوية ديوانًا ولا غيره حتى مات لعشر سنين من إمارة معاوية"، وزاد إسحاق أيضًا في مسنده" من طريق معمر، عن الزهريّ: فمات حين مات، وإنه لمن أكثر قريش مالًا. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) راجع: "عمدة القاري" ٩/ ٥٣.