غيركم بكذا وكذا، فأُثيب، والغرض منه حثّهم على الصدقة، وأنّ غيرهم تصدّق بمثل ذلك، فأُثيب، فحكمهم كحكمه. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذه الأوجه الثلاثة التي ذكرها العكبريّ فيها بعذ، وتكلّفٌ لا يخفى.
وقيل: هو مجزومٌ بلام أمر مقدّرة، أصله ليتصدّق، وهذا الحذف مما جوّزه بعض النحاة.
وفيه أنّ حقّه حينئذ أن يكون يتصدّق -بياء تحتيّة، بعدها تاء فوقيّةٌ - ولا وجه لحذفها.
فالصواب عندي أنّ صيغته صيغة خبرٍ ومعناه الأمر، ولا يقال: إن كونه خبرًا لا يساعده قوله: "ولو بشقّ تمرة"؛ لأنّنا نقول: إنّما يتوجّه ذلك لو كان خبرًا معنًى أيضًا، وأما إذا كان أمرًا معنًى فلا يتوجّه هذا الاستشكال.
والحاصل أنّ هذا خبر بمعنى الأمر؛ أي: ليتصدّق، وإنما عبّر بصيغة الخبر؛ حثًّا للمخاطبين على امتثاله، وترغيبًا لهم في حصوله منهم، وكونه بصيغة الماضي أبلغ في ذلك، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: ذكر ابن مالك -رحمه الله- نحو هذا الإعراب في كتابه "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" في أَثَرِ عمر بن الخطّاب-رضي الله عنه-: "إذا وسّع الله، فأوسعوا، صَلّى رجلٌ في إزارٍ ورداء، في إزارٍ وقميصٍ، في إزارٍ وقباء"، قال: تضمّن هذا الحديث فائدتين:
[إحداهما]: ورود الفعل الماضي بمعنى الأمر، وهو "صَلّى رجلٌ"، والمعنى: ليصلّ رجلٌ، ومثله في كلام العرب: اتّقى الله امرؤٌ فعل خيرًا يُثبْ عليه. والمعنى: ليتّق، وليفعل. ولكونه بمعنى الأمر جيء بعده بجواب مجزوم، كما يُجاء بعد الأمر الصريح، وأكثر مجيء الماضي بمعنى الطلب في الدعاء، نحو: نصر الله من والاك، وخَذَل من عاداك.
[والفائدة الثانية]: حذف حرف العطف، فإن الأصل: صَلَّى رجلٌ في
(١) راجع: "إعراب الحديث النبويّ" للعكبريّ ص ١٥٨ - ١٥٩.