للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أي: اتقوا الله الذي خلقكم، واتقوا الله الذي تتناشدون به، واتّقوا الأرحام، فلا تقطعوها، وقد آذن الله تعالى حيث قرن الأرحام باسمه إلى أن صلتها منه بمكان، ومنزلة عظيمة. انتهى.

وقولى: (إِلَى آخِرِ الْآيَةِ) أي: قرأ الآية إلى آخرها، ونصّ تمام الآية: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١].

فقوله: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وهي حوّاء -عليه السلام- خُلقت من ضِلْعه الأيسر من خلفه، وهو نائمٌ، فاستيقظ، فرآها، فأعجبته، فأنس إليها، وأنست إليه.

وفي الحديث الصحيح: "إن المرأة خُلقت من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضلَع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت بها استمعت بها، وفيها عوج" {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} أي: وذَرَأَ من آدم وحوّاء رجالًا كثيرًا ونساءً، ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم، وصفاتهم، وألوانهم، ولغاتهم {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي: اتقوه بطاعتكم إياه {الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ} حيث تقولون: أسألك بالله {وَالْأَرْحَامَ} بالنصب أي: واتقوا الأرحامَ أن تقطعوها، بل برّوها، وصِلُوها، وقرأ بعضهم: {وَالْأَرْحَامَ} بالجرّ عطفًا على الضمير في {بِهِ}؛ أي: تساءلون بالله، وبالأرحام.

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١] بدل من "الآية" محكيّ لقصد لفظه، ومعناه: مراقب لجميع أحوالكم، وأعمالكم، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: ٦]. وفي الحديث الصحيح: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك"، وهذا إرشاد، وأمر بمراقبة الرقيب، ولهذا ذكر تعالى أنّ أصل الخلق من أَبٍ واحدٍ، وأمّ واحدة؛ لِيُعَطِّفَ بعضَهُم على بعض، ويحثّهم على ضعفائهم (١)، وهذا هو سبب قراءة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لهذه الآية في هذه المناسبة، حيث إنها أبلغ في تثبيت الأخوّة بين المؤمنين، وقوّة ترابطهم جنسًا، وعقيدةً، المقتضي لعطف بعضهم على بعض، والله تعالى أعلم.

وقوله: (وَالآيةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ) بنصب "الآيةَ" عطفًا على قوله: {يَاأَيُّهَا


(١) راجع: "تفسير ابن كثير" رحمه الله تعالى أول سورة النساء.