عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرَّحمن بن عوف، فقال عبد الرَّحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر، فنجعله إليه، والله عليه والإسلام، لينظرنّ أفضلهم في نفسه، فاسكت الشيخان، فقال عبد الرَّحمن: أفتجعلونه إليّ؟ والله علي أن لا آلُوَ عن أفضلكم، قالا: نعم، فأُخذ بيد أحدهما، فقال: لك قرابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والقدم في الإسلام، ما قد علمت، فاللهُ عليك لئن أمّرتك لتعدلنّ، ولئن أمّرت عثمان لتسمعنّ، ولتطيعنّ، ثم خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق، قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، فبايع له علي، ووَلَجَ أهل الدار، فبايعوه. انتهى.
(فَجَاءَ صُهَيْبٌ) - رضي الله عنه - (يَقُولُ: وَا أَخَاهْ، وَا صَاحِبَاهْ، فَقَالَ عُمَرُ) - رضي الله عنه -: (أَلَمْ تَعْلَمْ؟، أَوْ) بسكون الواو للشكّ من الراوي، هل قال:"ألم تعلم، أو قال:(لَمْ تَسْمَعْ؟) فالهمزة هنا مقدَّرة (قَالَ أَيُّوبُ) السختيانيّ: (أَوْ قَالَ) أي: ابن أبي مليكة: (أَوَ) بفتح الواو، هي الواو العاطفة دخلت عليها الهمزة (لَمْ تَعْلَمْ، أَوَ لَمْ تَسْمَعْ) بفتح الواو أيضًا كسابقتها، والظاهر على أن عمر - رضي الله عنه - قال اللفظين للتأكيد، وَيحْتَمِل أن تكون "أو" هنا بسكون الواو للشك كسابقه، والله تعالى أعلم.
(أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ لَيُعَذّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ") زاد في بعض النسخ لفظة "عليه"، قيّده ببعض البكاء، فحُمل على ما فيه نَوْحٌ ونُدبة؛ جمعًا بين الأحاديث، وقيل: المراد بالبعض ما يكون من وصيّته.
(قَالَ) عبد الله بن أبي مليكة: (فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ) بن عمر - رضي الله عنهما - (فَأَرْسَلَهَا مُرْسَلَةً) أي: أطلق القضة، أو القولة التي هي: "إن الميت يعذّب ببكاء أهله" (وَأَمَّا عُمَرُ) - رضي الله عنه - (فَـ) قيّدها، حيث (قَالَ: "بِبَعْضِ") بكاء أهله، ولم يقل: "ببكاء أهله"، كما قال ابن عمر (فَقُمْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ) - رضي الله عنها - (فَحَدَّثْتُهَا بِمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَتْ: لَا) أي: ليس كذلك (وَاللهِ مَا قَالَهُ) أي: قوله: لَا إن الميت يعذَّب … إلخ"(رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَطُّ) إنما حلفت عليه؛ لما كان في ظنّها أنه كما قالت، ولكن الواقع خلاف ذلك، فقد ثبت عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم -كما سيأتي ذلك - أنهم سمعوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقوله، فكيف يمكن نفيها؛ فهذا بعيدٌ كلّ البعد.