كتبت مرة مقالًا بإحدى المجلات، وكنت قد كتبت فيه هذه العبارة:«والكلام هنا طويل طويل» وحين قرأته مطبوعاً وجدت «طويل» مرة واحدة، فأيقنت أن الأخ مصفف الحروف حذف الثانية لأنه ظنها تكراراً مني من باب السهو، وعذره في ذلك واضح، لأنه لم يتعود مثل هذا التوكيد اللفظي فيما يقدم له من كتابات، وعلى ذلك فإنني أنصح من يستعمل التوكيد اللفظي أن يستعمل اللفظ ثلاث مرات لا مرتين، فإن ذلك أبعد من مظنة التكرار وأنفى للبس.
وبعد: فإني أخشى أن تكون هذه الحقبة التي نعيشها هي أسوأ الحقب التي مرت بها العربية والبيان العربي. فإن اللغات تنتعش أو تذوي باحترام أهلها لها وممارستهم لها، وما أظن لغتنا العربية فيما يسمونه - خطأ وتسرعاً بعصور الانحطاط الأدبي - وهو العصر العثماني - لا أظنها في تلك الأيام إلا أحسن حالًا، وأجمل بياناً مما هي عليه الآن.
والرثاء كل الرثاء لشباب هذه الأيام الذين يخدعون عن تاريخهم وعن لغتهم فيما يقرأون وفيما يسمعون.
أما أنا وأنت ومن يجري معنا في حب العربية والبيان العربي، فليس لنا إلا الصبر نعتصم به ونفزع إليه، حتى يكشف الله الكربة، ويزيل الغمة، ويرد الغربة:
ما في الصحاب أخو وجدٍ نطارحه ... حديث نجد ولا صب نجاريه